للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الأول: من خلال النَّسْخ

مِنْ الطُّرُق التي سَلَكَها الإمَام القُرْطُبي في دَفْع التَّعَارُض الْمُتَوَهَّم تَرْجِيح أحَد القَولَين على الآخَر مِنْ خِلال الْقَوْل بِالنَّسخ، وذلك مَسْلَك مَعْرُوف عِنْد أهْل العِلْم، فالقَول بالنَّسخ وَجْه مِنْ وُجُوه الْجَمْع بَيْن الآيَات، "لأنَّ النَّصّ يَقْبَل التَّخْصِيص والتَّأوِيل والنَّسْخ" (١)، و "النَّسخ إنّمَا يَكُون عِند عَدَم الْجَمْع" (٢).

والعلماء يشترطون للقول بالنسخ شروطًا ثلاثة:

أحَدُها: عَدَم إمْكَانِيَّة الْجَمْع بَيْن القَولَين.

الثاني: مَعْرِفَة الْمُتَقَدِّم مِنْ الْمُتَأخِّر.

الثالث: تَكَافُؤ الأَدِلَّة (٣).

أمَّا إذا أمْكَن الْجَمْع بين القَولَين فَلَيْس أحَدُهُمَا أوْلى بالقَبول والعَمَل مِنْ الآخَر.

قال ابنُ جَرير: لا يُحْكَم لِحُكْمٍ في آيَة بِالنَّسْخ إلَّا بِخَبَرٍ يَقْطَع العُذْر، أوْ حُجَّة يَجِب التَّسْلِيم لَهَا (٤).

وقَال ابنُ حَزْم: القَوْلَين إذا تَعَارَضَا وأمْكَن أن يُستَثْنَى أحَدُهما مِنْ الآخَر فيُسْتَعْمَلان جَمِيعًا، لم يَجُز غَير ذَلك، وسَوَاء أيْقَنَّا أيُّهُمَا أوّل أوْ لَم نُوقِن، ولا يَجُوز القَول بالنَّسْخ في ذَلك إلَّا بِبُرْهَان جَلِيّ مِنْ نَص، أو إجْمَاع، أو تَعَارُض لا يُمْكِن مَعَه اسْتِثْنَاء أحَدِهما مِنْ الآخَر (٥).

وقال الشنقيطي: الْجَمْع وَاجِب إذا أمْكَن، وهو مُقَدَّم عَلى التَّرجِيح بَيْن الأَدِلَّة كَمَا عُلِم في الأُصُول (٦).


(١) إرشاد الفُحُول إلى تحقيق علْم الأصول، الشوكاني (ص ٤٦٨).
(٢) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٤/ ١٥٤).
(٣) يُنظر لذلك: المصفَى بأكفّ أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ، ابن الجوزي (ص ١٢).
(٤) جامع البيان عن تأويل آي القرآن (٢٠/ ٥٢٦).
(٥) الإحكام في أصول الأحكام، ابن حزم (٤/ ٤٧٠)، ويُنظر: شرح مختصر الروضة، الطوفي (٢/ ٣٤٠).
(٦) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (٢/ ٣٠٤).

<<  <   >  >>