للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طُرق دفع توهّم التعارض بين الآيات

سَلَك الإمَام القُرْطُبي في تَفْسِيره "الْجَامِع لأحْكَام القُرآن" عِدّة طُرُق لِدَفْع التَّعَارُض الْمُتَوَهَّم بين آيات الكِتَاب العَزِيز.

ومِن تِلك الطُّرُق القَوْل بالنَّسْخ، والنَّسْخ "شَرْعًا أن يَرِد دَليل شَرعِي مُتَرَاخِيا عن دَليل شَرعي مُقْتَضِيًا خِلاف حُكْمه، فهو تَبديل بالنَّظَر إلى عِلْمِنا، وبيان لِمُدّة الْحُكْم بالنَّظَر إلى عِلْم الله" (١).

وعُرِّف بأنه: رَفْع الْحُكْم الثَّابِت بِطَرِيق شَرْعي بِمِثْلِه مُتَرَاخٍ عنه (٢).

وفِي مَبْحَث دَفْع تَوهّم التَّعارُض مِنْ خِلال النَّسْخ لن أتَطَرق لِكُلّ نَسْخ في القُرآن، ولا لِكُلّ قَول بالنَّسْخ، لأنه ليس كل نَسْخ يُتَوهَّم معه التَّعَارُض، فإن نَسْخ التِّلاوَة لا يَظْهَر مَعه تَعَارُض، إذ لا بَقَاء للنَّصّ مع نَسْخ التِّلاوَة.

ومِن مَسَائل النَّسْخ في القُرآن ما أُثبِت فيها الناسِخ دُون الْمَنْسُوخ، وهَذه الْمَسَائل لا يَظْهَر فِيها وَجْه التَّعَارُض، كَنَسْخِ القِبْلَة مِنْ بَيْت الْمَقْدِس إلى الْمَسْجِد الْحَرَام، فإنَّ أصْل التَّشْرِيع لم يَكن بِقُرآن يُتْلى.

قال القرطبي في قوله تعالى: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا) [البقرة: ١٤٢]: في هَذه الآية دَلِيل وَاضِح على أن في أحْكَام الله تعالى وكِتابِه نَاسِخًا ومَنْسُوخًا، وأجمعت عليه الأمة إلَّا مَنْ شَذّ.

وأجْمَع العُلَماء على أن القِبْلة أوَّل ما نُسِخ مِنْ القُرآن .... ودَلَّت أيضًا على جَواز نَسْخ السُّنة بالقُرآن، وذلك أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى نَحْو بَيْتِ الْمَقْدِس وليس في ذلك قُرآن، فلم يَكن الْحُكْم إلَّا مِنْ جِهَة السُّنَّة، ثم نُسِخ ذلك بالقُرآن (٣).

وهذا أوَان بَيَان مَنْهَج القرطبي في دَفْعِ توهّم التَّعارُض مِنْ خِلال القَوْل بالنَّسْخ:


(١) التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي (ص ٦٩٧)، وانظر: التعريفات، الجرجاني (ص ٣٠٩).
(٢) المدخل، ابن بدران (ص ٢١٤).
(٣) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٢/ ١٤٧) باختصار يسير.

<<  <   >  >>