للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[رأي الباحث]

لا تَعَارُض بَيْن الآيَات فآيَة "آل عمران" مُرتَبِطة بِمَا قَبْلَها، وهو قَوله تَعالى: (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين) [آل عمران: ٨٦].

وهو مَا أشَار إليه ابن عطية بِقَولِه: وتَحْتَمِل الآيَة عِنْدي أن تَكُون إشَارَة إلى قَوْم بِأعْيَانِهم مِنْ الْمُرْتَدِّين خَتَم الله عليهم بِالْكُفْر، وجَعَل ذلك جَزاءً لِجَرِيمتهم ونِكَايَتِهم في الدِّين، وهُم الذين أشَار إليهم بِقَولِه: (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا) [آل عمران: ٨٦]، فأخْبَر عنهم أنّهم لا تَكُون لَهم تَوبة فيُتَصَوَّر قَبُولها (١).

ويُحْتَمَل أنَّ الْمُرَاد عَدَم التَّوفِيق للتَّوبَة؛ لأنَّ مَنْ كَان شَأنه الإيمان، ثم الكُفر، ثم الإيمان، ثم الْكُفْر، فهو الْمُتَذَبْذِب، وهو الذي شَهِد أنَّ الرَّسُول حَقّ، ثم كَفَر بَعْدَ مَا جَاءتْه البَيِّنَات. وهذا عَائد إلى مَعْنى الآية التي قَبْلَها.

وهذا كَقَوله تَعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا) [النساء: ١٣٧].

أي أنَّ رِدَّتَهم مَرَّة بَعْد أُخْرى كَانَتْ سَبَبًا في عَدَم التَّوفِيق للتَّوبَة.

فَمَنْ كَان هذا شأنه فَعادَة لا يُوفّق للتوبة، وهذا كَمَا قَال العُلَمَاء في قَول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ أَبَى عَليَّ مَنْ قَتَلَ مُؤمِنًا (٢). مَع مَا أخْبَر بِه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قَبول تَوبة قَاتِل الْمِائة (٣)، ومِثْلُه مَا أَخْبَر بِه


(١) المحرر الوجيز، مرجع سابق (١/ ٤٦٩، ٤٧٠).
(٢) رواه أحمد في المسند (ح ١٧٠٠٨)، والنسائي في الكبرى (ح ٥٨٩٣) وعزاه العجلوني في "كشف الخفا" (١/ ٣٦) إلى الطبراني. وانظر: البيان والتعريف، الحسيني (١/ ١٢).
وينظر تخريجه في "سلسلة الأحاديث الصحيحة"، الألباني (ح ٦٨٩)، وأورده بلفظ: أبى الله أن يجعل لقاتل المؤمن توبة.
(٣) قصته مخرجه في الصحيحين: البخاري (ح ٣٢٨٣)، ومسلم (ح ٢٧٦٦).

<<  <   >  >>