للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[صورة التعارض]

الآيَة الأُولى يُفهَم مِنها أنَّ الله كَفَّل زَكَريا بِمريم، والثَّانِية يُفْهَم مِنْها أنّهم عَمِلُوا بالقُرْعَة في كَفَالَة مَرْيم.

[جمع القرطبي]

ذَكَر القرطبي الْمَعْنَى أوَّلًا، فَقَال: أي: ومَا كُنْتَ يَا محمد لَدَيهم، أي: بِحَضْرَتِهم وعِنْدَهم. (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ) جَمْع قَلَم. وقِيل: قِدَاحهم وسِهَامهم. وقِيل: أقْلامهم التي كَانوا يَكْتُبُون بها التَّوْرَاة، وهُو أَجْوَد، لأنَّ الأزْلام قد نَهَى الله عنها. إلَّا أنه يَجُوز أن يَكُونُوا فَعَلُوا ذلك على غَير الْجِهَة التي كانت عليها الجاهلية تَفْعَلها.

(أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) أي يَحْضنها، فقال زَكَرِيّا: أنا أحَقّ بِهَا، خَالَتها عِنْدي. وقال بَنو إسْرائيل: نَحْن أحَقّ بِها، بِنْت عَالِمِنا، فاقْتَرَعُوا عَليها، وجَاء كُلّ واحِد بِقَلَمِه، واتَّفَقُوا أن يَجْعَلُوا الأقْلام في الْمَاء الْجَارِي، فَمَنْ وَقَفَ قَلَمُه ولَم يُجْرِه الْمَاء فهو حَاضِنُها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: فَجَرَتِ الأقلام وعَالَ قَلَمُ زكريا (١). وكَانَت آيَة له لأنّه نَبِيّ تَجْرِي الآيَات عَلى يَدَيه. وقِيل غَير هَذا.

ونَقَل القرطبي عن أبي عبيد قَوله: وقَد عَمِلَ بالقُرْعَة ثَلاثَة مِنْ الأنْبِيَاء: يُونُس وزَكَرِيّا ونَبِيّنا محمد صلى الله عليه وسلم.

كما نَقَل عن ابن المنذر قَوله: واسْتِعْمَال القُرْعَة كَالإجْمَاع مِنْ أهْل العِلْم فِيمَا يُقْسَم بَيْن الشُّرَكَاء، فلا مَعْنَى لِقَول مَنْ رَدَّها.


(١) علقه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما (٢/ ٩٥٤) باب القرعة في المشكلات، ووصله ابن جرير (٥/ ٤٠٤)، ورواه البيهقي في السنن الكبرى (ح ٢١١٩١) عن ابن عباس وعن ابن مسعود عن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن طريق البيهقي رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (٧٠/ ٨٠).
ورواه ابن جرير (٥/ ٣٤٨)، وابن أبي حاتم في تفسيره (٢/ ٦٤٩) من قول عكرمة. ويُنظر: جامع البيان (٥/ ٣٤٨ وما بعدها، ٤٠٣ وما بعدها).

<<  <   >  >>