للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مُقارنة جوابه وجَمْعه بين الآيات بجَمْع غيره من العلماء

أطَال ابنُ جرير في تَقْرِير حُكْم آية "البقرة"، فَقَال - بَعْد أنْ ذَكَر الأقْوَال فِيها -: وأوْلى هَذه الأقْوَال بالصَّوَاب: قَوْل مَنْ قَال: نَزَلَتْ هَذه الآيَة في خَاصٍّ مِنْ النَّاس، وقَال: عَنَى بِقَولِه تَعالى ذِكْرُه: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) أهْل الكِتَابَين والْمَجُوس، وكُلّ مَنْ جاء إقْرَاره عَلى دِينِه الْمُخَالِف دِين الْحَقّ، وأَخْذ الْجِزْيَة مِنه.

وأَنْكَرُوا أن يَكُون شَيء مِنْها مَنْسُوخًا.

وإنما قُلْنا هَذا القَوْل أوْلى الأقْوال في ذلك بالصَّوَاب لِمَا قَدْ دَلَّلْنا عَليه ..... مِنْ أنَّ النَّاسِخِ غَير كَائن نَاسِخًا إلَّا مَا نَفَى حُكْم الْمَنْسُوخ، فلم يَجُز اجْتِمَاعُهما.

فأمَّا مَا كَان ظَاهِره العُمُوم مِنْ الأمْرِ والنَّهي، وبَاطِنه الْخُصُوص فَهو مِنْ النَّاسِخ والْمَنْسُوخ بِمَعْزِل (١).

وإذْ كَان ذَلك كَذَلك وكَان غَير مُسْتَحِيل أن يُقَال: لا إكْرَاه لأحَد مِمَّنْ أُخِذَتْ مِنه الْجِزْية في الدِّين، ولم يَكُنْ في الآيَة دَلِيل عَلى أنَّ تَأوِيلَها بِخِلاف ذَلك، وكَان الْمُسْلِمُون جَمِيعًا قَدْ نَقَلوا عَنْ نَبِيِّهم أنه أَكْرَه عَلى الإسْلام قَوْمًا فَأبَى أن يَقْبَل مِنهم إلَّا الإسْلام، وحَكَم بِقَتْلِهم إن امْتَنَعُوا مِنه، وذَلك كَعَبَدَةِ الأوْثَان مِنْ مُشْرِكي العَرَب، وكالْمُرْتَدّ عَنْ دِينه دِين الحقّ إلى الكُفْر، ومَن أشْبَههم، وأنه تَرَك إكْرَاه آخَرِين عَلى الإسْلام بقَبولِه الْجِزْية مِنه، وإقْرَاره عَلى دِينِه البَاطِل، وذلك كَأهْلِ الكِتَابَيْن ومَن أشْبَهَهم؛ كان بَيِّنًا بذلك أنّ مَعنى قَوله: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) إنما هو: لا إكْرَاه في الدِّين لأحَد مِمَّنْ حَلّ قَبول الْجِزْية مِنه بأدَائه الْجِزْية، ورِضَاه بِحُكْم الإسْلام.

ولا مَعْنَى لقَوْل مَنْ زَعَم أنَّ الآيَة مَنْسُوخَة الْحُكم بالإذْن بالْمُحَارَبَة (٢).


(١) يُنظر لهذه المسألة الأصُولِيَّة: شرح مُخْتَصَر الرَّوْضة، مرجع سابق (٢/ ٥٨٤ - ٥٨٧).
(٢) جامع البيان، مرجع سابق (٤/ ٥٥٣، ٥٥٤) باختصار.

<<  <   >  >>