للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جَمْع القرطبي:

قال القرطبي في آية "البقرة":

هذه الآية في عِدَّة المتوفَّى عنها زَوجها، وظَاهِرها العُمُوم ومَعْنَاها الْخُصُوص.

وحَكى المهدوي عن بَعض العُلَماء أنَّ الآية تَنَاولَت الْحَوامِل ثم نُسِخَ ذلك بقوله: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) (١).

ثم ذَكَر الخِلاف في عِدّة الْحَامِل الْمُتَوفَّى عنها زَوجُها، فقال: عِدَّة الْحَامِل الْمُتَوفَّى عَنها زَوجها وَضْع حَمْلِها عند جُمْهُور العُلَماء. ورُوي عن علي بن أبي طالب وابن عباس (٢) أنَّ تَمَام عِدّتِها آخِر الأجْلَين … وقد روي عن ابن عباس أنه رَجَع عن هذا. والْحُجَّة لِمَا رُوي عن علي وابن عباس رَوْم (٣) الْجَمْع بَين قَولِه تَعَالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) وبين قَوله: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)، وذلك أنَّها إذا قَعَدَتْ أقْصَى الأجَلَين فَقَد عَمِلَتْ بِمُقْتَضَى الآيتين، وإنْ اعْتَدَّتْ بِوَضْع الْحَمْل فَقَد تَرَكَتِ العَمَل بآية عِدَّة الوَفَاة، والْجَمْع أوْلى مِنْ التَّرْجِيح باتِّفَاق أهْل الأصُول، وهذا نَظَر حَسَن لَولا مَا يُعَكِّر عليه مِنْ حَديث سُبيعة الأسلمية، وأنَّها نُفِسَتْ (٤) بَعْد وَفَاة زَوجها بِلَيَال، وأنَّها ذَكَرَتْ ذلك لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فأمَرَها أنْ تَتَزَوَّج. أخْرَجه في الصَّحِيح (٥)، فَبَيَّنَ الْحَدِيث أنَّ قَولَه تعالى:


(١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٣/ ١٦٥).
(٢) الْمَرْوي عن ابن عباس مُخرَّج في الصحيحين: البخاري (ح ٤٦٢٦)، ومسلم (ح ١٤٨٥)، وفيه: فبَعثُوا كُرَيبًا مَولى ابن عباس إلى أمّ سَلَمة يَسألها عن ذلك، فَجَاءهم فأخْبَرهم أنّ أمّ سلمة قالت: إن سُبَيعة الأسْلَمية نُفِسَتْ بَعد وَفَاة زَوجها بِلَيَالٍ، وإنها ذَكَرَتْ ذلك لِرَسول الله صلى الله عليه وسلم فأمَرَها أن تَتَزَوَّج.
وسُكوت ابن عباس يُفهَم مِنه الرُّجُوع إلى هذا القول.
(٣) أي: قَصَد.
(٤) قال النووي في "المنهاج" (١٠/ ١١١): بِضَمّ النّون على الْمَشْهُور؛ وفي لُغة بِفَتْحِها؛ وهما لُغَتان في الوِلادة.
(٥) رواه البخاري (ح ٣٧٧٠)، ومسلم (ح ١٤٨٤).

<<  <   >  >>