للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المثال الثاني:

مَعِيَّة الله:

قَوله تَعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) [الأعراف: ٥٤]، [يونس: ٣]، [الرعد: ٢]، [الفرقان: ٥٩]، [السجدة: ٤]، [الحديد: ٤]، مع قوله تعالى: (وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ) [النساء: ١٠٨]، قوله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) [الحديد: ٤]، وقوله تعالى: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا) [المجادلة: ٧].

[صورة التعارض]

"قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) يَدُلّ على أنه تعالى مُسْتَوٍ على عَرْشِه عَالٍ على جَمِيع خَلْقِه. وقَوله تَعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) يُوهِم خِلاف ذَلك" (١).

[جمع القرطبي]

قال القرطبي في آيَة "الأعراف": هذه مَسْألَة الاسْتِوَاء، وللعُلَمَاء فِيها كَلام وإجْرَاء … والأكثر مِنْ الْمُتَقَدِّمِين والْمُتَأخِّرِين أنه إذا وَجَب تَنْزِيه البَاري سُبْحَانه عن الْجِهَة والتَّحَيُّز فمن ضَرُورَة ذَلك ولَواحِقه اللازِمَة عليه عند عَامَّة العُلَمَاء الْمُتَقَدِّمِين وقَادَتهم مِنْ الْمُتَأخِّرِين تَنْزِيهه تَبَارَك وتَعَالى عن الْجِهَة، فَلَيْس بِجِهة فَوق (٢) عندهم (٣)، لأنه يَلْزَم مِنْ ذلك عندهم مَتَى اخْتَصّ بِجِهَة أن يَكُون في مَكَان أوْ حَيِّز، ويَلْزَم على الْمَكَان والْحَيِّز الْحَرَكة والسُّكُون للمُتَحَيِّز والتَّغَيّر والْحُدُوث، هذا قَولْ الْمُتَكَلِّمِين.

وقَد كَان السَّلَف الأول رضي الله عنهم لا يَقُولُون بِنَفْي الْجِهَة ولا يَنْطِقُون بذلك، بل نَطَقُوا هُمْ والكَافَّة بإثْبَاتِها لله تَعالى، كَمَا نَطَق كِتَابه، وأخْبَرَتْ رُسُله، ولم يُنْكِر أحَد مِنْ السَّلَف الصَّالِح أنه اسْتَوى على


(١) دفع إيهام الاضطراب، مرجع سابق (ص ١٩١).
(٢) جاءت النصوص بإثبات العلو المستلزم للفوقية. ينظر لذلك: "شرح أصول اعتقاد أهل السنة"، مرجع سابق (٣/ ٣٩٧)، و"العلو للعلي العظيم" الذهبي، مرجع سابق.
(٣) أي: عند المتكلمين.

<<  <   >  >>