للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[رأي الباحث]

ليس بَيْن الآيات تَعَارُض، فآيَة "النِّسَاء" تَدُل على أنَّ مَنْ عَمِل سُوءًا أوْ ظَلَم نَفْسَه ثم اسْتَغْفَر الله غَفَر الله له، وهذا مُقَيَّد بِشَرْط التَّحَلل مِمَّنْ ظَلَمه إذا كَان ذلك السُّوء مِمَّا ألْحَق به الضَّرَر بِغَيره، لِما جَاء في صَرِيح السُّنَّة مِنْ مِثل قَوله عليه الصلاة والسلام: مَنْ كَانت له مَظْلَمَة لأحَد مِنْ عِرْضِه أو شيء فَلْيَتَحَلَّلْه مِنه اليَوم قَبْل أن لا يَكُون دِينَار ولا دِرْهم، إنْ كان له عمل صَالح أُخِذَ مِنه بِقَدْرِ مَظْلَمَتِه، وإنْ لَم تَكُنْ له حَسَنَات أُخِذَ مِنْ سَيئات صَاحِبه فَحُمِل عَليه (١).

وآيَة "التوبة" تَدُلّ على أنَّ اسْتِغْفَار الْمُسْلِم للمُنَافِق أوْ للكَافِر لا يَنْفعه، ولذلك نُهي عن الاسْتِغْفَار للمُشْرِكِين ولو كَانُوا أُولي قُرْبى، وجَاء النَّهي عن الصلاة على الْمُنَافِقِين؛ لأنّها رَحْمَة وطَلَب شَفَاعَة.

وفي آيَة "التوبة" قَطْع أطْمَاع الْمُنَافِقِين أن يَنْفَعهم اسْتِغْفَار الْمُؤمِنِين، بل اسْتِغْفَار النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنّهم أقَامُوا على نِفَاقِهم، ومِن شَرْط الانْتِفَاع بالاسْتِغْفَار أن يَكُون صَاحِبُه صَادِقا في اسْتِغْفَارِه، غَيْر مُصِرّ على ذَنْبِه "قال عُلَمَاؤنا: الاسْتِغْفَار الْمَطْلُوب هو الذي يَحُلّ عَقْد الإصْرَار ويَثْبُت مَعْنَاه في الْجَنَان، لا التَّلَفُّظ باللسَان، فأمَّا مَنْ قَال بِلِسَانِه اسْتَغْفِر الله وقَلْبُه مُصِرّ على مَعْصِيَتِه فَاسْتِغْفَاره ذَلك يَحْتَاج إلى اسْتِغْفَار، وصَغِيرته لاحِقَة بِالكَبَائر، ورُوي عن الْحَسَن البَصْري أنه قال: اسْتِغْفَارُنا يَحْتَاج إلى اسْتِغْفَار" (٢).

وبِهذا تَجْتَمِع الآيَات. والله تعالى أعلم.


(١) رواه البخاري (ح ٢٣١٧).
(٢) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٤/ ٢٠٧، ٢٠٨).

<<  <   >  >>