للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحسن البصري، ومَسروق بن الأجدع، وسعيد بن المسيب، وأبي العالية، والربيع بن أنس، وقتادة، والضحاك بن مزاحم، وغيرهم من التابعين وتابعيهم ومَن بَعْدَهم؛ فَتُذْكَر أقْوَالهم في الآية، فَيَقَع في عِبَارَتِهم تَبَايُن في الألْفَاظ يَحْسَبها مَنْ لا عِلْم عنده اخْتِلافًا فَيَحْكِيها أقْوَالًا، وليس كَذلك، فإنَّ مِنهم مَنْ يُعَبِّر عَنْ الشيء بِلازِمِه أو بِنَظِيرِه ومِنهم مَنْ يَنُصّ على الشَّيء بِعَيْنِه، والكُلّ بِمَعْنى واحِد في أكْثَر الأمَاكِن. فَلْيَتَفَطّن اللبِيب لِذلك. والله الْهَادي" (١).

وأقْوَال الصَّحَابة رضي الله عنهم والتابعين مما يُدْفَع به التَّعَارُض الْمُتَوَهَّم بَيْن الآيَات وقَد أوْلى القُرْطبي هذا الْجَانِب عِنَايَة، وكان يُورِد أقْوَال السَّلَف، ويُرَجِّح بَيْنَها.

ومِن المواضِع التي بَرَزَ فيها هذا الْجَانِب في تَفْسِير القرطبي مَا يَلي:

المثال الأول:

توْلِيَة الوُجْه حَيث مَا كَان الْمُصَلِّي:

قَوله تَعالى: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) [البقرة: ١١٥]، مَع قَوله تَعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) [البقرة: ١٥٠].

[صورة التعارض]

الآيَة الأُولى يُفهَم مِنها أنَّ الْمُصَلِّي حَيْثُمَا تَوَجَّه في صَلاتِه جَاز، وفي الآية الثَّانِية أنَّ على الْمُصَلِّي أن يَتَوجَّه إلى الْمَسْجِد الْحَرَام.


(١) تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق (١/ ١١، ١٢). وتنظر: مصادر التفسير في "التفسير والمفسرون"، للذهبي (١/ ٢٧٣ وما بعدها).

<<  <   >  >>