للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مُمْتَنِع. وهَذا الزَّعْم لَم يُصِب الْمَحَزّ، فإنَّ كُلًّا مِنْ الآيَتَين سِيقَ في مَعْنَى خَاصٍ بِه، فلا يُتَصَوَّر أن يَكُون في هَذه الْجُمْلَة طَلَب مَا لا يُسْتَطَاع مِنْ التَّقْوَى، بل الْمُرَاد مِنْها دَوَام الإنَابَة لَه تَعالى وخَشيته وعِرْفَان جَلالِه وعَظَمَته قَلْبًا وقَالَبا. وهَذا مِنْ الْمُسْتَطَاع لِكُلّ مُنِيب. وقَوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) أمْرٌ بِعِبَادَته قَدْر الاسْتِطَاعَة بِلا تَكْلِيف لِمَا لا يُطَاق؛ إذْ (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا) [البقرة: ٢٨٦]، وظاهِرٌ أنّ مَنْ أتَى بِمَا يَسْتَطِيعه مِنْ عِبَادَته تَعالى، وأنَابَ لِجَلالِه، وأخْلَص في أعْمَالِه، وكان مُشْفِقًا في طَاعَتِه؛ فَقَد اتَّقَى الله حَقَّ تُقَاتِه (١).

وأمَّا الشنقيطي فَقَد اقْتَصَر عَلى قَوله: قَوله تَعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) الآية. هَذه الآية تَدُلّ عَلى التَّشْدِيد البَالِغ في تَقْوَى الله تَعالى، وقَد جَاءت آيَة أخْرَى تَدُلّ على خِلاف ذَلك، وهي قَوله تَعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)، والْجَواب بأمْرَين:

الأوَّل: أنَّ آيَة (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) نَاسِخَة لِقَولِه: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ).

الثاني: أنَّهَا مُبيِّنةٌ للمَقْصُود بِهَا. والعِلْم عِند الله تعالى (٢).

[رأي الباحث]

الصَّحيح أن الآيات مُحْكَمَة، وأنه لا تَعَارُض بَيْن الآيَتَين، والْجَمْع بَيْنَهُما مِنْ وُجُوه:

الأوَّل: أنَّ (حَقَّ تُقَاتِهِ): أن يُطَاع فلا يُعْصَى، وأن يُذْكَر فلا يُنْسَى، وأن يُشْكَر فلا يُكْفَر. كما قال ابن مسعود رضي الله عنه (٣).


(١) محاسن التأويل، مرجع سابق (٤/ ٤١٨).
(٢) دفع إيهام الاضطراب، مرجع سابق (ص ٤٦) باختصار.
(٣) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (ح ٣٤٥٥٣)، وابن جرير في "جامع البيان" (٥/ ٦٣٧).

<<  <   >  >>