للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويَظهر أنه يَرى أنَّ الآيَة مُحْكَمَة، وأنَّه لا نَسْخ، حَيث قَال في تَفْسِير سُورة الحج مَا نَصّه: وقَوله: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) [الحج: ٧٨] أي: بِأمْوالِكُم وألْسِنَتِكُم وأنْفُسِكم، كَمَا قَال تَعالى: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) (١).

أمَّا في تَفسِير سُورَة التَّغَابُن فَقَد ذَكَر القَولَين، فَقَال: وقَوله تَعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) أي: جُهْدَكم وطَاقَتكم، كَمَا ثَبَت في الصَّحِيحين (٢) عن أَبي هُريرة رَضي الله عنه قَال: قَال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أمَرْتُكُم بأمْر فأتُوا مِنْه مَا اسْتَطَعْتُم، ومَا نَهَيتُكُم عَنه فاجْتَنِبُوه. وقَد قَال بَعْض الْمُفَسِّرِين .... : إنَّ هَذه الآيَة نَاسِخَة للتي في "آل عمران"، وهي قَوله تَعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (٣) ثم ذَكَر سبب نُزُول الآيَة عن سعيد بن جبير، وأنَّ آية "آل عمران" مَنْسُوخَة بآيَة "التغابن" (٤).

ورجّح الثعالبي عَدم النَّسْخ، فَقَال بَعْد أنْ حَكَى القَوْل بالنَّسْخ: وقَالَتْ جَمَاعَة: لا نَسْخ هُنا، وإنما الْمَعْنى: اتَّقُوا الله حَقَّ تُقاته في مَا اسْتَطَعْتُم؛ وهَذا هو الصَّحِيح (٥).

كما نَبَّه القاسمي إلى أنَّ مَنْ زَعَم النَّسْخ لم يُصِب الْمَحَزّ، فقال: زَعَم بَعْضُهم أنَّ هَذه الْجُمْلَة مِنْ الآيَة مَنْسُوخَة بِآيَة: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) مُتأوِّلًا (حَقَّ تُقَاتِهِ) بأن يَأتي العَبْد بِكُلّ مَا يَجِب لله ويَسْتَحِقّه، قَال: وهَذا يَعْجَز العَبْد عَنْ الوَفَاء [بِه] (٦)، فَتَحْصِيله


(١) تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق (١٠/ ٩٩).
(٢) رواه البخاري (ح ٦٨٥٨)، ومسلم (ح ١٣٣٧).
(٣) تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق (١٤/ ٢٤).
(٤) انظر: المرجع السابق، الموضع السابق.
(٥) الجواهر الحسان، مرجع سابق (١/ ٢٩٤)، (٤/ ٣٠٩).
(٦) زيادة يقتضيها السياق.

<<  <   >  >>