للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَا لا يُسْتَطَاع مِنْ التَّقْوى، لأنَّ اللهَ سُبْحَانَه أخْبر أنه لا يُكَلِّف نَفْسًا إلَّا وُسْعَها، والوُسْع (١) دُون الطَّاقة، ونَظِير هَذه الآيَة قَوله: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) [الحج: ٧٨] أمَّا الذِين قَالوا: إنّ الْمُرَاد هُو أن يُطَاع فلا يُعْصَى؛ فَهَذا صَحِيح، والذي يَصْدُر عن الإنْسَان عَلى سَبِيل السَّهْو والنِّسْيان فَغَير قَادِح فِيه، لأنَّ التَّكْليف مَرْفوع في هَذه الأوْقَات، وكَذلك قَوله: "أن يُشْكَر فلا يُكْفَر"، لأنَّ ذلك واجِب عليه عند خُطُور نِعم الله بالبَال، فأمَّا عِنْد السَّهْو فلا يَجِب، وكَذلك قَوله: "أن يُذْكَر فلا يُنْسى"، فإنَّ هَذا إنما يَجِب عِنْد الدُّعَاء والعِبَادَة، وكُلّ ذَلك مِمَّا [لا] (٢) يُطَاق، فَلا وَجْه لِمَا ظَنُّوه أنه مَنْسُوخ.

فـ "قَوله تَعالى: (حَقَّ تُقَاتِهِ) أي: كَمَا يَجِب أن يُتّقَى، يَدُلّ عَليه قَوله تَعالى: (حَقُّ الْيَقِينِ) [الواقعة: ٩٥]، ويُقَال: هُو الرَّجُل حَقًّا" (٣).

وذَكَرَ ابن كثير القَوْلَين، فَنَقَلَ عن جَمَاعَة "أنَّ هَذه الآيَة مَنْسُوخَة بِقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ).

وقَال عَلي بن أبي طَلحة عَنْ ابن عباس في قَوله تَعالى: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) قَال: لَمْ تُنْسَخ، ولَكِن (حَقَّ تُقَاتِهِ) أن يُجَاهِدُوا في سَبِيلِه حَقّ جِهَادِه، ولا تَأخُذْهم في الله لَومَة لائم، ويَقُومُوا بالقِسْط ولَو عَلى أنْفسِهم وآبَائهم وأبْنَائهم" (٤).


(١) في اللسان (٨/ ٣٩٢): والْوُسْع والوُسْع والسَّعة: الْجِدَة والطَّاقَة.
(٢) هكذا في المطبوع، ويظهر أنها مُقحَمة، لأنه لو كان مما لا يُستَطاع لقيل بالنسخ قبل وُقوع التكليف، وهو يُريد أنَّ ما ذَكَره مما يُستَطاع فلا وَجْه للنسخ.
(٣) التفسير الكبير، مرجع سابق (٨/ ١٤١) باختصار.
(٤) تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق (٣/ ١٣٠) باختصار.

<<  <   >  >>