للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤ - ظَواهِر الآيَات تَقْتَضِي جَوَاز صَرْف الصَّدَقَات إلى الكُفَّار جُمْلَة إلَّا أن النبي صلى الله عليه وسلم خَصّ مِنها الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة فلا تُدْفَع إليهم.

مُقارنة جوابه وجمعه بين الآيات بجمع غيره من العلماء:

ابْتَدَأ ابن جرير بِذِكْر مَعْنَى آيَة "البقرة"، فَقَال: يَعْنِي تَعالى ذِكْرُه بذلك: لَيس عَليك يا محمد هُدى المشركين إلى الإسلام فتمنعهم صدقة التطوع ولا تُعطيهم منها ليَدْخُلوا في الإسْلام حَاجَة مِنهم إلَيها، ولَكِنَّ الله هو يَهدي مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقِه إلى الإسْلام فيُوفِّقهم له، فلا تَمْنَعهم الصَّدَقَة.

ثم روى بإسْناده إلى شُعبة قال: كَان النبي صلى الله عليه وسلم لا يَتَصَدّق على الْمُشرِكِين، فَنَزَلَتْ: (وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ)، فَتَصَدَّق عليهم.

وروى بإسْناده إلى ابن عباس قال: كَانُوا لا يَرْضَخُون (١) لِقَرَابَاتهم مِنْ الْمُشْرِكين فَنَزَلَتْ: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ).

وروى آثارًا عن ابن عباس وغيره في هذا الْمَعْنَى (٢).

وقد بيَّن السمعاني نَوع الْهِدَاية الْمَنْفِيّة هنا، فَقال: قَوله تَعالى: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ) ليس الْمُرَاد به هِدَاية الدَّعْوة فَإنّها عَليه حَتْم، وإنّمَا الْمُرَاد به هِدَاية التَّوْفِيق (٣).

ثم ذَكَر ما رُوي عن سعيد بن جبير - مما تقدّم - واخْتَار أنَّ مْعَنى الآيَة "لَيْس عَليك هُدَاهُم بِأن تُلْجِئهم وتَحْمِلْهم عَلى الدُّخُول في الإسْلام (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) أي: يُوفِّق مَنْ يَشَاء ويَخْذُل مَنْ يَشَاء" (٤).


(١) قال ابن الأثير (النهاية ٢/ ٢٢٨): الرَّضْخ العَطِية القليلة. ويُنظر: لسان العرب (٣/ ١٩).
(٢) جامع البيان، مرجع سابق (٥/ ١٩ - ٢٢) باختصار.
(٣) مسألة الْهُدى الْمُثْبَت والْمَنْفِي لها مَبْحَث آخَر.
(٤) تفسير القرآن، مرجع سابق (١/ ٢٧٦).

<<  <   >  >>