للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جُحْرِها، ولأمْسَك الأمْطَار مِنْ السَّمَاء، والنَّبَات مِنْ الأرْض؛ فَمَات الدَّوَابّ، ولكن الله يَأخُذ بِالعَفْو والفَضْل، كَما قال: (ويَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [المائدة: ١٥]، [الشورى: ٣٠]. (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ)، أي: أجَل مُوْتِهم، ومُنْتَهَى أعْمَارهم (لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)، وقد تقدم.

فإن قيل: فكيف يَعُمّ بالْهَلاك مع أنَّ فيهم مُؤمِنًا لَيس بِظَالِم؟

قيل: يَجْعَل هَلاك الظَّالِم انْتِقَامًا وجَزَاء، وهَلاك الْمُؤمن مُعَوَّضًا بِثَواب الآخِرَة.

وفي صحيح مسلم (١) عن عبد الله بن عمر قال: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أرَاد الله بِقَوْم عَذابا أصَاب العَذَاب مَنْ كان فِيهم، ثم بُعِثُوا على نِيَّاتِهم.

وعن أم سَلمة وسُئلت عن الجيش الذي يُخْسَف به - وكان ذلك في أيام ابنِ الزبير - فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يَعُوذ بِالبَيت عَائذ، فَيُبْعَث إليه بَعْث، فإذا كَانوا بِبَيْدَاء مِنْ الأرْض خُسِف بِهم. فقلت: يا رسول الله! فكيف بِمَنْ كان كَارِهًا؟ قال: يَخْسِف به معهم، ولكنه يُبْعَث يَوْم القِيَامَة على نِيَّتِه (٢) (٣).

وفي قَوله تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا) [فاطر: ٤٥] قال القرطبي: يَعني مِنْ الذُّنُوب. (مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ)، قال ابن مسعود: يُرِيد جَمِيع الْحَيَوَان مِمَّا دَبّ ودَرَج. قال قتادة: وقَد فَعل ذلك زَمَن نُوح عليه السلام. وقال الكلبي: (مِنْ دَابَّةٍ):


(١) (ح ٢٨٧٩)، ورواه البخاري (ح ٦٦٩١)، وفيهما: ثم بُعِثُوا على أعْمَالِهم.
(٢) رواه مسلم (ح ٢٨٨٢) وهو مخرج في الصحيحين من حديث عائشة بمعناه. البخاري (ح ٢٠١٢).
(٣) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١٠/ ١٠٦، ١٠٧).

<<  <   >  >>