للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثَّاني: أنَّ تَرْتِيب النُّزُول غَير تَرْتِيب التِّلاوة. قَالَه البَغوي، ونَقَله السّيوطي (١)، "ولا يَضُرّ كَوْن الآيَة الْمَنْسُوخَة - في تَرتيب الْمُصْحَف في الْخَطّ والتِّلاوَة - مُتقدِّمَة في أوَّل السُّورَة، أوْ في سُورَة مُتقدِّمَة في التَّرْتِيب، وتَكُون النَّاسِخَة لَها في السُّورَة أوْ في سُورَة مُتأخِّرَة في التَّرْتِيب؛ لأنَّ القُرْآن لم تُرتّب آيَاته وسُوَره عَلى حَسَب نُزُول ذَلك، لَكِن كَمَا شاء ذُو الْجَلال والإكْرَام مُنَزِّلُه .... ومُرتِّبُه الذي لم يَكِل تَرْتِيبه إلى أحَدٍ دُوْنه … فلا يَجُوز مُرَاعَاة رُتْبَة التَّأليف في مَعْرفَة النَّاسخ والْمَنْسُوخ البتة" (٢).

الثالث: أنّ تَرتيب سُوَر القُرْآن لَيس على حَسَب النُّزُول، فلا يَمْنع أن يَكُون تَرْتِيب الآيَات دَاخِل السُّورَة كَذلك.

قال القرطبي: وقد عَارَض بَعْض فُقَهَاء الكُوفيين، فَقَال: مُحَال أن تَنْسَخ هَذه الآيَة، يَعْني (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ) [الأحزاب: ٥١] (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ) [الأحزاب: ٥٢] وهي قَبْلَها في الْمُصْحَف الذي أجْمَع عَليه الْمُسْلِمُون، ورَجَّح قَول مَنْ قَال نُسِخَتْ بالسُّنّة. قال النَّحَّاس: وهَذِه الْمُعَارَضَة لا تَلْزَم، وقَائلها غَالِط؛ لأنَّ القُرآن بِمَنْزِلَة سُورَة وَاحِدَة، كَمَا صَحَّ عَنْ ابنِ عباس (٣).

الرَّابِع: أن جُمْهُور الْمُفَسِّرِين عَلى أنَّ الآيَة مَنْسُوخَة، بل نَقَل الإجْماع على ذلك غير واحِد؛ فقد نَقَله ابن عبد البر (٤)، وابن حَزم (٥)، ونَفَى القُرْطبي مَعْرِفَة الْمُخَالِف في أنَّ النَّاسِخ مُتَقدِّم عَلى الْمَنْسُوخ في آيَتِي البَقَرَة (٦).

الْخَامِس: أن قَوْل مُجاهِد - في عَدَم النَّسْخ - عُدّ قَوْلًا شاذًّا، كما تقدَّم.


(١) الإتقان (١/ ١٧٦) وحول الترتيب يُنظر:
التبيان في آداب حملة القرآن، النووي (ص ٤٩، ٥٠)، و"الإتقان"، السيوطي (١/ ١٧٦ - ١٧٩).
(٢) الإحكام في أصول الأحكام، ابن حزم (١/ ٥٠٥).
(٣) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١٤/ ١٩٤).
(٤) الاستذكار، مرجع سابق (٦/ ٢٣٤، ٢٣٥).
(٥) الإحكام في أصول الأحكام، مرجع سابق (١/ ٥٠٦).
(٦) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١٤/ ١٩٤).

<<  <   >  >>