للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقَال في تَفْسِير آيَة الْحَجّ: يُخْبِر تَعالى عَنْ أهْل هَذِه الأدْيَان الْمُخْتَلِفَة مِنْ الْمُؤمِنِين ومَن سِوَاهم مِنْ اليَهُود والصَّابِئين … والنَّصَارَى والْمَجُوس والذين أشْرَكُوا، فَعَبَدُوا غَيْر الله مَعَه، فَإنَّه تَعالى (يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، ويَحْكُم بَيْنَهم بِالعَدْل؛ فيُدْخِل مَنْ آمَن به الْجَنَّة، ومَن كَفَرَ بِهِ النَّار، فَإنه تَعالى شَهِيد عَلى أفْعَالِهم، حَفِيظ لأقْوَالِهم، عَلِيم بِسَرَائِرِهِم، ومَا تُكِنّ ضَمَائرُهم (١).

ونَقَل الثعالبي الْخِلاف في الآيَة، فقال: اخْتُلِف في الْمُرَاد بـ (الَّذِينَ آمَنُوا) في هَذه الآية؛ فَقَالتْ فِرْقَة: (الَّذِينَ آمَنُوا) هُمْ الْمُؤمِنُون حَقًّا بِنَبِيِّنَا مُحَمَّد صَلى الله عليه وسلم، وقَوله: (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ) يَكون فِيهم بِمَعْنى: مَنْ ثَبَت ودَام، وفِي سَائر الفِرَق بِمَعْنَى: مَنْ دَخَل فِيه.

وقال السّدي: هُمْ أهْل الْحَنِيفِيَّة مِمَّنْ لَم يَلْحَق مُحَمَّدًا صَلى الله عليه وسلم.

والذين هَادُوا ومَن عُطِف عَليهم كَذلك مِمَّنْ لَم يَلْحَق مُحَمَّدًا صَلى الله عليه وسلم (٢).

وقال في تَفْسِير سُورَة المائدة: (الَّذِينَ آمَنُوا) لَفْظ عَامّ لِكُلّ مُؤمِن مِنْ مِلَّة نَبِيِّنَا مُحَمَّد صَلى الله عليه وسلم ومِن غَيرها مِنْ الْمِلَل، فَكَأن ألْفَاظ الآية حُصِر بِها النَّاس كُلّهم وبُيِّنَتِ الطَّوَائف عَلى اخْتِلافِها، وهَذا هو تَأوِيل الْجُمْهُور (٣).

ويَرَى القاسمي أنَّ مَعْنَى (الَّذِينَ آمَنُوا) "أي: الذين آمَنُوا بِمُحَمَّد صَلى الله عليه وسلم، وصَارُوا مِنْ جُمْلَة أتْبَاعِه. قَال في "فَتْح البَيَان": كَأنه سُبْحَانه أرَاد أن يُبَيِّنْ أنَّ حَال هَذه الْملَّة الإسْلامِيَّة، وحَال مَنْ قَبْلها مِنْ سَائر الْمِلَل، يَرجِع إلى شَيء وَاحِد، وهو أنَّ مَنْ آمَن مِنْهم بِالله واليَوْم الآخِر وعَمِل صَالِحًا اسْتَحَقّ مَا ذَكَرَه الله مِنْ الأجْر، ومَن فَاتَه ذلِك فَاتَه الْخَيْر كُلّه، والأجْر دِقّه وجِلّه. والْمُرَاد بالإيمان هَهُنَا هُو مَا بَيَّنَه


(١) تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق (١٠٢٤).
(٢) الجواهر الحسان، مرجع سابق (١/ ٧٢).
(٣) المرجع السابق (١/ ٤٧٧).

<<  <   >  >>