للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذَكَر ابن جُزي القَول بالنَّسْخ، وأقْوَالًا أخْزَى، ضَعَّف بَعْضَهَا بِقَولِه: وقِيل: مَعْنَاهَا أنَّ هَؤلاء الطَوَائف مَنْ آمَن مِنْهم إيمانًا صَحِيحًا فَلَه أجْرُه؛ فَيَكُون في حَقِّ الْمُؤْمِنِين الثَّبَات إلى الْمَوْت، وفي حَقّ غَيْرِهم الدُّخُول في الإسْلام، فلا نَسْخ. وقِيل: إنها فِيمَن كَان قَبْل بَعْث النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فلا نَسْخ (١).

بَيْنَمَا قَال في تَفْسِير سُورة الْحَجّ: (إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) هَذه الْجُمْلَة هي خَبَر (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا) الآية، وكُرِّرَتْ مَع الْخَبَر للتَّأكِيد، وفَصْل الله بَيْنهم بأن يُبَيِّنْ لَهُمْ أنَّ الإيمان هُو الْحَقّ وسَائر الأدْيان بَاطِلَة، وبأن يُدْخِل الذين آمَنُوا الْجَنَّة، ويُدْخِل غَيْرَهم النَّار (٢).

وأشَارَ ابنُ كَثير إلى السِّيَاق في آيَات "البقرة"، فقال: لَمَّا بَيَّن تَعالى حَال مَنْ خَالَف أوامِرَه، وارْتَكَب زَوَاجِرَه، وتَعَدَّى في فِعْل مَا لا إذْنَ فِيه، وانْتَهَك الْمَحَارِم، ومَا أحَلَّ بِهم مِنْ النَّكَال، نَبَّه تَعالى عَلى أنَّ مَنْ أحْسَن مِنْ الأُمَم السَّالِفَة وأطَاع، فإنَّ لَه جَزَاء الْحُسْنَى، وكَذَلك الأمْر إلى قِيَام السَّاعَة؛ كُلّ مَنْ اتَّبَع الرَّسُول النَّبِيّ الأُمِّي فَلَه السَّعَادَة الأبَدِيَّة، ولا خَوْف عَليهم فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَه، ولا هُمْ يَحْزَنُون عَلى مَا يَتْرُكُونَه ويُخَلِّفُونَه (٣).

ثم ذَكَر سَبَب نُزُول الآيَة، وذَكَر مَا جَاء عن ابنِ عَباس مِنْ القَول بالنَّسْخ، ثم عَرَّف بِتلك الأصْنَاف الْمَذْكُورَة في الآيَة، ثم قَال: فَلَمَّا بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا صَلى الله عليه وسلم خَاتِمًا للنَّبِيِّين، ورَسُولًا إلى بَني آدَم على الإطْلاق، وَجَبَ عَليهم تَصْدِيقُه فِيمَا أخْبَر، وطَاعَتُه فِيمَا أمَر، والانْكِفَاف عَمَّا عَنه زَجَر؛ وهَؤلاء هُمْ الْمُؤمِنُون حَقًّا (٤).


(١) التسهيل لِعلوم التنزيل، مرجع سابق (١/ ٤٩).
(٢) المرجع السابق (٣/ ٣٧، ٣٨).
(٣) تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق (١/ ٤٣٠).
(٤) المرجع السابق (١/ ٤٣٢).

<<  <   >  >>