للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا) [الانشقاق: ٨] قَالت فَقَال: إنّمَا ذلكَ العَرْض، ولَكِن مَنْ نُوقِش الْحِسَاب يَهْلِك (١).

والثَّالث: أنهم نَفَوا عِلْمَهم اليَقِيني بِمَا أجَابُوا به، لأنَّ السَّرَائر أمْرُها إلى الله.

وقول ابن جُريج أيضًا قَول مُعتَبَر، وذلك أنَّ السُّؤال يَكُون عَنْ "مَاذا عَمِلُوا بَعْدكم، ومَا أحْدَثُوا بَعْدَكم؟ "، ولا يُنافي هذا كَون الرُّسُل لا يَعْلَمُون مَا أحْدَثَتْه أمَمهم بَعْدهم؛ إذ يجوز أن يَكون السُّؤال عما خَفِي، وقَد سَأل الله تَبارك وتَعالى الْمَلائكة عَمَّا خَفِي عليهم، فقال جلّ جلاله: (أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣١) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [البقرة: ٣١، ٣٢]، فَلَمَّا سَأل الْمَلائكَة عَمَّا لا عِلْم لهم بِه أجابوا بِنَحو مَا تُجِيب بِه الرُّسُل يَوْم القِيَامَة.

ومَا أخْبَر بِه النبي صلى الله عليه وسلم مِمَّا يَكون في يَوْم القِيَامة دَالّ على ذلك، فَمِنْ ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: يُجَاء بِرِجَال مِنْ أُمَّتِي فَيُؤخَذ بِهم ذَات الشِّمَال فَأقُول: يَا رَب أصْحَابي، فَيَقُول: إنك لا تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَك. فَأقُول كَمَا قَال العَبْد الصَّالِح: (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة: ١١٧، ١١٨] قال: فيُقَال: إنّهم لَم يَزَالُوا مُرْتَدّين على أعْقَابِهم (٢).

فاسْتِشْهَاده صلى الله عليه وسلم بِهذه الآيَة مُشْعِر بأنَّ الشَّهَادَة على مَجْمُوع الأمَّة وقد وكَل عِلْم مَا لَم يَشْهَدْه ومَا لَم يَحضُرْه إلى الله، اقْتِدَاء بِعِيسَى ابن مريم عليه الصلاة والسلام.

كما أنَّ مَعْرِفَته صلى الله عليه وسلم لأمَّته في الْمَحْشَر دَالّ على عِلْمِه بِمَنْ اسْتَجَاب لَه حَتى بَعْد مَمَاتِه، وقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: كيف تَعْرِف مَنْ لَم


(١) رواه البخاري ومسلم. وسبق تخريجه.
(٢) رواه البخاري ومسلم. وسبق تخريجه.

<<  <   >  >>