للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالْجَوَاب مِنْ وَجْهَين:

أحَدُهما: أنه أرَاد الْمُتَّقِين والكَافِرين، فاكْتَفَى بِذِكْرِ أحَد الفَرِيقَين، كَقَولِه تَعَالى: (سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل: ٨١] أرَاد: والبَرْد.

والثَّاني: أنه خَصّ الْمُتَّقِين لانْتِفَاعِهم بِه، كَقَولِه: (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا) [النازعات: ٤٥]، وكَان مُنْذِرًا لِمَنْ يَخْشَى ولِمَن لا يَخْشَى (١).

وذَهَب الرَّازي إلى أنَّ الآيَة الأُولى في تَشْرِيف الْمُتَّقِين، وأنَّ الْمُتَّقِين هُمْ كُلّ النَّاس! فَقَال: وَلو لَم يَكُنْ للمُتَّقِي فَضِيلَة إلَّا مَا في قَولِه تَعَالى: (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) كَفَاه؛ لأنه تَعالى بَيَّن أنَّ القُرْآن هُدى للنَّاس في قَولِه: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ)، ثم قَال هَهنا في القُرْآن إنه (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)، فهذا يَدُلّ عَلى أنَّ الْمُتَّقِين هُمْ كُلّ النَّاس، فَمَنْ لا يَكُون مُتَّقِيًا كأنه لَيْس بإنْسَان! (٢).

وقال في مَوْضِع آخَر: إنما قَال: (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) لأنهم هُمْ الْمُنْتَفِعُون به، فَصَار مِنْ [هذا] (٣) الوَجْه هُدى لَهُمْ لا لِغَيْرِهم (٤).

ويَرى ابن جُزيّ أن الْهُدى في هَذه الآية خَاصّ بِمَعْنَى الإرْشَاد، فَقَال: (هُدًى) هُنا بِمَعْنى الإرْشَاد، لِتَخْصِيصه بالْمُتَّقِين، ولَو كَان بِمَعْنى البَيَان لَعَمَّ، كَقَولِه: (هُدًى لِلنَّاسِ) (٥).


(١) زاد المسير، مرجع سابق (١/ ٢٤).
(٢) التفسير الكبير، مرجع سابق (٢/ ٢٠).
(٣) زيادة يقتضيها السياق.
(٤) المرجع السابق (٧/ ١٣٩).
(٥) التسهيل لعلوم التنْزيل، مرجع سابق (١/ ٣٥).

<<  <   >  >>