للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْجِنّ هُمْ الذِين بَلَّغُوا قَوْمَهم مَا سَمِعُوه مِنْ الوَحي، كَمَا قَال: (وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) وقال مُقاتل والضحاك: أرسل الله رُسُلًا مِنْ الْجِنّ كَمَا أرْسَل مِنْ الإنْس. وقال مجاهد: الرُّسُل مِنْ الإنْس، والنُّذُر مِنْ الْجِنّ، ثم قَرَأ: (إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ)، وهو مَعْنَى قَوْل ابن عباس، وهو الصَّحِيح، وقال الكَلبي: كَانت الرُّسُل قَبْل أن يُبْعَث محمد صلى الله عليه وسلم يُبْعَثُون إلى الإنْس والْجِنّ جَمِيعًا.

ثم تَعَقَّبَه القرطبي بِقولِه:

قلت: وهَذا لا يَصِحّ (١)، بل في صَحيح مسلم (٢) مِنْ حَدِيث جَابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أُعْطِيتُ خَمْسًا لم يُعْطَهُنّ نَبِي قَبْلِي؛ كان كُلّ نَبِيّ يُبْعَث إلى قَومِه خَاصَّة وبُعِثْتُ إلى كُلّ أحْمَر وأسْوَد. الحديث ....

وقال ابن عباس: كانت الرُّسُل تُبْعَث إلى الإنْس، وإنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم بُعِث إلى الْجِنّ والإنْس. ذَكَرَه أبو الليث السمرقندي: وقِيل: كان قَوم مِنْ الْجِنّ اسْتَمَعُوا إلى الأنْبِيَاء ثم عَادُوا إلى قَومِهم وأخْبَرُوهم، كَالْحَال مَع نَبِيِّنا عليه السلام، فَيُقَال لهم: رُسُل الله، وإن لم يُنَصّ على إرْسَالِهم، وفي التَّنْزِيل: (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ) [الرحمن: ٢٢] أي: مِنْ أحَدِهما، وإنما يَخْرُج مِنْ الْمِلْح دُون العَذْب، فَكَذَلك الرُّسُل مِنْ الإنْس دُون الْجِنّ، فمعنى (مِنْكُمْ) أي: مِنْ أحَدِكم، وكان هَذا جَائزًا، لأنَّ ذِكْرَهما سَبَق. وقِيل: إنَّمَا صَيَّر الرُّسُل في مَخْرَج اللفْظ مِنْ الْجَمِيع، لأنَّ الثَّقَلَين قد ضَمَّتْهُما عَرْصَة القِيَامَة، والْحِسَاب عَليهم دُون الْخَلْق، فَلَمَّا صَارُوا في تلك العَرْصة في حِسَاب وَاحِد في شَأن الثَّوَاب والعِقَاب خُوطِبُوا يَومَئذ بِمُخَاطَبة واحِدَة كَأنَّهم جَمَاعَة واحِدَة ..... وقد وَصَف الله عنهم في سُورة الْجنّ مِنْ قَوْله: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ) [الجن: ١٤]، (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا) [الجن: ١١] على مَا يَأتي بَيانه هُناك (٣).


(١) قول القرطبي هذا مُتعقّب، وسيأتي تعقّبه في "رأي الباحث".
(٢) (ح ٥٢١)، ورواه البخاري (ح ٣٢٨).
(٣) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٧/ ٧٦، ٧٧).

<<  <   >  >>