للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقَال القرطبي بَعد ذلك: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: ١٣٢]: أي: مِنْ الْجِنّ والإنْس، كَمَا قَال في آيَة أُخْرَى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ) [الأحقاف: ١٨]، ثم قَال: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [الأحقاف: ١٩]، وفي هَذا مَا يَدُلّ على أنَّ الْمُطِيع مِنْ الْجِنّ في الْجَنَّة، والعَاصِي مِنْهم في النَّار، كَالإنْس سَوَاء، وهو أصَحّ مَا قِيل في ذلك، فاعْلَمْه (١).

وقال في تَفْسِير قَوْلِه تَعَالى: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [الأحقاف: ١٩]: أي: ولكُل وَاحد مِنْ الفَرِيقَيْن الْمُؤمِنِين والكَافِرِين مِنْ الْجِنّ والإنْس مَرَاتِب عِند الله يَوْم القِيَامَة بِأعْمَالِهم (٢).

وأطَال في تَفْسِير آيَات "الأحقاف"، واسْتِمَاع الْجِنّ للقُرْآن، ثم قال: قَوله تَعالى: (قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى) أي: القُرْآن، وكَانوا مُؤمِنِين بِمُوسَى.

قال عطاء: كانوا يَهُودًا فأسْلَمُوا، ولِذَلك قَالُوا: (أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى).

وعن ابن عباس: أنَّ الْجِنّ لَم تَكُنْ سَمِعَتْ بأمْرِ عِيسى، فَلذَلك قَالَتْ: (أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى). (مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) يَعْنِي: مَا قَبله مِنْ التَّوْرَاة. (يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ) دِين الْحَقّ. (وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) دِين الله القَويم.

(يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ) يَعْنِي: محمدًا صلى الله عليه وسلم، وهذا يَدُلّ على أنّه كَان مَبعُوثًا إلى الْجِنّ والإنْس.


(١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٧/ ٧٨).
(٢) المرجع السابق (١٦/ ١٧٠).

<<  <   >  >>