للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومَعْنَى قَوله: (فَفَسَقُوا فِيهَا): فَخَالَفُوا أمْرَ الله فِيها، وخَرَجُوا عن طَاعَتِه. (فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ) يَقُول: فَوَجَب عليهم بِمَعْصِيَتِهم الله وفُسُوقِهم فِيها وَعِيد الله الذي أوْعَد مَنْ كَفَر بِه وخَالف رُسُلَه مِنْ الهلاك بَعد الإعْذَار والإنْذار بالرُّسُل والْحُجَج (١).

وأوْرَد ابن كثير مَا رَواه ابن جرير مِنْ قَول مجاهد في سَبَب نُزُول الآيَة، ثم قال: كَانت العَرَب مَا عَدا قُرَيشًا لا يَطُوفُون بِالبَيْت في ثِيَابِهم التي لَبِسُوها، يَتأوَّلُون في ذلك أنّهم لا يَطُوفُون في ثِيَاب عَصَوا الله فِيها، وكَانت قُرَيش - وهم الْحُمْس (٢) - يَطُوفُون في ثِيَابِهم، ومَن أعَارَه أحْمُسِي ثَوبًا طَاف فِيه، ومَن مَعه ثَوْب جَدِيد طَاف فِيه، ثم يُلْقِيه فلا يَتَمَلَّكُه أحَد، ومَن لم يَجِد ثَوْبًا جَدِيدًا ولا أعَارَه أحْمُسِي ثَوْبًا طَاف عُرْيَانا، ورُبَّمَا كَانت امْرَأة فَتَطُوف عُرْيَانة فَتَجْعَل على فَرْجِها شَيئًا لِيَسْتُرَه بَعْض السِّتْر …

وأكْثَر مَا كان النِّسَاء يَطُفْن عُرَاة بِالليل، وكَان هَذا شَيئًا قَدْ ابْتَدَعُوه مِنْ تِلْقَاء أنْفُسِهم، واتَّبَعوا فيه آبَاءهم، ويَعْتَقِدُون أنَّ فِعْل آبَائهم مُسْتَنِد إلى أمْر مِنْ الله وشَرْع، فأنْكَر الله تَعالى عَليهم ذَلك، فَقَال: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا)، فَقَال تَعالى رَدًّا عَليهم (قُلْ) أي: يَا محمد لِمَنْ ادَّعَى ذلك: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ) أي: هذا الذي تَصْنَعُونه فاحِشَة مُنْكَرَة، والله لا يَأمُر بِمِثْل ذَلك (أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) أي: أتُسْنِدُون إلى الله مِنْ الأقْوَال مَا لا تَعْلَمُون صِحَّتَه؟ (٣)


(١) جامع البيان، مرجع سابق (١٤/ ٥٣٢٨) بتصرف يسير.
(٢) في صحيح البخاري (ح ١٥٨٢)، ومسلم (ح ١٢١٩) من قول عروة: والحمس قريش وما ولدت.
وفي "المنهاج" للنووي (٨/ ١٩٧): الْحُمْس بضم الحاء المهملة وإسكان الميم وبسين مهملة.
قال أبو الهيثم: الحمس هم قريش ومن ولدته قريش وكنانة وجديلة قيس؛ سموا حمسًا لأنهم تحمسوا في دينهم، أي: تشددوا وقيل: سموا حمسًا بالكعبة لأنها حمساء حجرها أبيض يضرب إلى السواد.
(٣) تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق (٦/ ٢٨١).

<<  <   >  >>