للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي آيَة "الإسراء" ذَكَر ابن جرير اخْتِلاف القُرَّاء "في قِرَاءة قَوله: (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) فَقَرَأت ذلك عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز والعِرَاق: (أَمَرْنَا) بِقَصْر الألف وغَير مَدِّها وتَخْفِيف الْمِيم وفَتْحِها".

ثم ذَكَر ابن جرير توجيه القِرَاءة على هَذا الوَجْه بِقَولِه: "وإذا قُرئ ذلك كَذلك، فإنَّ الأغْلَب مِنْ تَأوِيلِه: أمَرْنا مُتْرَفِيها بالطَّاعَة فَفَسَقُوا فيها بِمُعْصِيَتِهم الله، وخِلافِهم أمْرَه، كَذلك تأوَّله كَثِير مِمَّنْ قَرَأه كَذلك" (١).

"وقد يَحْتَمِل أيضًا إذا قُرِئ كَذلك أن يَكُون مَعْنَاه: جَعَلْنَاهم أمَرَاء فَفَسَقُوا فيها؛ لأنَّ العَرَب تَقُول: هو أمِير غَير مَأمُور.

وقد كَان بَعْض أهْل العِلْم بِكَلام العَرَب مِنْ أهْل البَصْرَة يَقُول: قد يَتَوَجَّه مَعْنَاه إذا قُرئ كذلك إلى مَعْنَى أكْثَرْنا مُتْرَفِيها.

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب مِنْ الكوفيين يُنْكِر ذلك مِنْ قِيله، ولا يُجيز (أمِرْنا) بمعنى أكْثَرْنا إلَّا بِمَدّ الألِف مِنْ (آمَرْنا) … وقرأ ذلك أبو عثمان (٢) (أمَّرْنا) بِتَشْدِيد الْمِيم، بِمَعْنى الإمَارَة " (٣).

واخْتَار ابن جرير أنَّ "أَوْلى القِرَاآت في ذلك بِالصَّوَاب قِرَاءَة مَنْ قَرأ (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) بِقَصْر الألِف مِنْ (أَمَرْنَا) وتَخْفِيف الْمِيم منها؛ لإجْمَاع الْحُجَّة مِنْ القَرَأة على تَصْوِيبِها دُون غَيرها" (٤).

وإذا كَان ذَلك هو الأَوْلى بِالصَّوَاب بالقِرَاءة فأوْلى التَّأوِيلات بِه تَأوِيل مَنْ تأوَّله: أمَرْنا أهْلها بِالطَّاعة فَعَصَوا وفَسَقُوا فِيها، فَحَقَّ عليهم القَول؛ لأنَّ الأغْلَب مِنْ مَعْنَى (أَمَرْنَا) الأمْر الذي هو خِلاف النَّهي دُون غيره، وتَوجِيه مَعَاني كَلام الله جَل ثَناؤه إلى الأشْهَر الأعْرَف مِنْ مَعَانِيه أَوْلى مَا وُجِد إليه سَبِيل مِنْ غَيره.


(١) جامع البيان، مرجع سابق (١٤/ ٥٢٧).
(٢) هو النهدي، كما رواه عنه ابن جرير بعد ذلك، وسبق النقل عن ابن خالويه في قراءة التخفيف والتشديد.
(٣) المرجع السابق (١٤/ ٥٢٨) باختصار.
(٤) قال ابن مجاهد في "السبعة في القراءات (ص ٣٧٩): لم يختلفوا في قوله: (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) أنها خفيفة الميم قصيرة الألف إلا ما روى خارجة عن نافع "ءامَرنا" ممدودة مثل "ءامنا".

<<  <   >  >>