للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - الثَّنَاء الْحَسَن، وهَذا مِمَّا يَطلُبه أهْل الدُّنيا. وفي حَدِيث عائشة قالت: قلت: يا رسول الله! ابن جُدْعَان كان في الْجَاهِلِيَّة يَصِل الرَّحِم، ويُطْعِم الْمِسْكِين؛ فهل ذاك نافِعه؟ قال: لا يَنْفَعه، إنه لم يَقُل يَوْمًا رَبّ اغْفِر لي خَطيئتي يَوْم الدِّين (١).

فابْنُ جُدْعان نَال مَا أرَاد مِنْ حُسْن الثَّنَاء، ولَيس لَه في الآخِرَة مِنْ نَصِيب، ومِثْله مَا يَقَع للمُرَائين يَوْم القِيَامَة، فَهم أوَّل مَنْ تُسَعَّر بِهم النَّار، حيث يُقال لِكُلّ وَاحِد منهم: فَعَلْت لِيُقال: كَذا وكذا. فَقَد قِيل (٢).

٤ - مَا يَكُون في الدُّنيا مِنْ تَمَكُّن الكُفَّار مِنْ الصِّنَاعَات، ونَحْو ذلك مِمَّا انْتَفَع النَّاس به.

وفي الْحَديث: "إنَّ الله لا يَظْلِم مُؤمِنًا حَسَنَة يُعْطَى بِها في الدُّنيا ويُجْزَى بِها في الآخِرَة، وأمَّا الكَافِر فَيُطْعَم بِحَسَنَاتِ مَا عَمِل بِها لله في الدُّنيا، حتى إذا أفْضَى إلى الآخِرَة لم تَكُنْ له حَسَنَة يُجْزَى بِها" (٣).

٥ - السَّلامَة مِنْ الآفَات، فإنَّ هَذا نَوْع مُجَازَاة، وهو مَفْهُوم قَوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يُرِد الله به خَيرًا يُصِب مِنْه" (٤).

فالذي لم يُرِد الله بِه خَيْرًا لا يُصِيب مِنه في الدُّنيا، فلا يُكَفَّر عنه مِنْ سَيِّئَاته، ولا يُجَازَى في الآخِرَة بِحَسَنَاتِه؛ لأنّها لم تُقبَل مِنه.

إلى غير ذلك مِنْ صُوَر الْمُجَازَاة، إلَّا أنَّ هَذا لا يَكُون لِكُلّ كَافِر، بل لِمَنْ شَاء الله أن يُجَازِيَه بذلك، ومَن لم يَشأ الله مُجَازَاته فلا يَخْلُو مِنْ حالَيْن:

إمَّا أن يُخَفَّف عنه يَوْم القِيَامَة مُقَابِل مَا عَمِل مِنْ مَعْرُوف وحَسَن في الدُّنيا، وهذا مِثل مَا وَقَع لأبي طَالب، فإنه حَمَى النبي صلى الله عليه وسلم وذَبّ عنه، فَخُفّف عنه بِشَفَاعَة النبي صلى الله عليه وسلم، فهو في ضَحْضَاح مِنْ نار (٥).


(١) رواه مسلم (ح ٢١٤).
(٢) هذا معنى حديث رواه مسلم (ح ١٩٠٥).
(٣) رواه مسلم (ح ٢٨٠٨)، وقد تقدّم.
(٤) رواه البخاري (ح ٥٣٢١)، وانظر: فتح الباري، ابن حجر، مرجع سابق (١٠/ ١٠٨).
(٥) كما في حديث العباس رضي الله عنه: رواه البخاري (ح ٣٦٧٠)، ومسلم (ح ٢٠٩).

<<  <   >  >>