للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال مجاهد: مَنْ عَمِل عَمَلًا مِنْ صِلَة أو صَدَقَة لا يُرِيد به وَجْه الله أعْطَاه الله ثَوَاب ذلك في الدُّنيا، ويَدْرأ بِه (١) عَنه في الدُّنيا.

ثم عَقَد ابن الجوزي فَصْلًا قال فيه: وذَكَرَ قَوْم مِنْ الْمُفَسِّرِين - منهم مُقاتل - أنَّ هَذه الآيَة اقْتَضَتْ أنَّ مَنْ أرَاد الدُّنيا بِعَمَلِه أُعْطِي فيها ثَوَاب عَمَلِه مِنْ الرِّزق والْخَير، ثم نُسِخ ذلك بِقَوله: (عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ)، وهذا لا يَصِح؛ لأنه لا يُوفَّى إلَّا لمَن يُرِيد (٢).

ونَقَل ابن الجوزي - في آيَة "الشورى" - عن الْمُفَسِّرِين قَولهم "مَنْ أرَاد العَمَل لله بِمَا يُرْضِيه أعَانَه الله على عِبَادَتِه، ومَن أرَاد الدُّنيا مُؤثِرًا لَها على الآخِرَة - لأنه غَير مُؤمِن بالآخِرَة - يُؤتِه مِنها، وهو الذي قُسِم لَه. (وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) لأنه كَافِر بِهَا لم يَعْمَل لَها".

و"اتَّفَق العُلَمَاء على أنَّ أوَّل هَذه الآيَة إلى (حَرْثِهِ) مُحْكَم، واخْتَلَفُوا في بَاقِيها على قَولَين:

أحَدُهما: أنه مَنْسُوخ بِقَولِه: (عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ). هذا قَوْل جَمَاعة مِنهم مُقاتل.

والثَّاني: أنَّ الآيَتَين مُحْكَمَتَان مُتَّفِقَتَان في الْمَعْنَى؛ لأنه لم يَقُل في هذه الآيَة نُؤتِه مُرَادَه، فَعُلِم أنه إنَّمَا يُؤتِيه الله مَا أرَاد (٣)، وهَذا مُوافِق لِقَولِه: (لِمَنْ نُرِيدُ)، ويُحَقِّق هَذا أنَّ لَفْظ الآيَتَين لَفْظ الْخَبَر، ومَعْناهما مَعْنى الْخَبَر، وذلك لا يَدْخُلُه النَّسْخ، وهذا مَذهب جماعة منهم قتادة (٤).

وذَكَر قَوْلَين أيضًا في آيَة "الإسراء"، إذ يَقُول: قَوله تَعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ) يَعني مَنْ كَان يُرِيد بِعَمَلِه الدُّنيا، فَعَبَّر بالنَّعْت عن الاسْم. (عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ) مِنْ عَرَض الدُّنيا.


(١) أي يدفع عنه في الدنيا من الشر والبلاء، وهو نوع مجازاة.
(٢) زاد المسير، مرجع سابق (٤/ ٨٤) باختصار.
(٣) أي ما أراد الله سبحانه وتعالى، لا ما أراد العبد.
(٤) المرجع السابق (٧/ ٢٨١، ٢٨٢) باختصار يسير.

<<  <   >  >>