في الواقع لا تلازم بين التمسك بالنصوص والغلو؛ فقد كان الصحابة رضي الله عنهم أشدَّ الناس تمسكا واقتضاء لنصوص الشريعة , ومع هذا لم يحصل منهم غلو أو تشديد , خلا في قضايا عينية في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - أرشد عليه الصلاة والسلام أصحابه إليها (١) وعلَّمهم وبيّن لهم طريق العبادة المعتدل , فانتهوا. وسببه هو موافقة هذا الاستمساك منهم - رضي الله عنهم - لعلم صحيح, وفهم سليم , وهمة حريصة على العلم والبصيرة , فنجوا من الغلو فضلا عن الاستمرار فيه , لكن لما بعد الناس عن زمان الأفاضل , وصار الدين غريبا , وأطبق الجهل على كثير من أهل الإسلام , صار المتمسك بسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - العاضُّ عليها بنواجذه منبوذا مُستهزءا به في تلك المجتمعات , وأطلقوا عليه عبارات النبز كالمتزمتين والغالين والمتطرفين والأصوليين والإرهابيين. . . . ونحوها من الألقاب التي روجتها بعض وسائل الإعلام عن أعداء الإسلام!
(١) كما في خبر عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - في إطالة الصوم , المتفق على صحتها. رواها البخاري في كتاب فضائل القرآن , باب كم يقرأ من القرآن , ومسلم في كتاب الصيام , باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به , رقم (١١٥٩) , وحديث عبد الله بن الشخير في وفد بني عامر وفيه ((فقلنا: أنت سيدنا. فقال: السيد الله تبارك وتعالى)) . فقلنا: وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا فقال: ((قولوا بقولكم أو ببعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان)) رواه أبو داود والنسائي بأسانيد جيدة. وما قوله عليه السلام ذلك إلا سد لطريق الغلو فيه , انظر: فتح المجيد ٥١٧.