إن الله بعث محمدا صلي الله عليه وسلم إلى أهل الأرض وهم في فساد، فأصلحهم الله بمحمد صلي الله عليه وسلم فمن دعا إلى خلاف ما جاء به محمد صلي الله عليه وسلم فهو من المفسدين في الأرض. قال ابن القيم:"قال أكثر المفسرين: لا تفسدوا فيها بالمعاصي والدعاء إلى غير طاعة الله بعد إصلاح الله إياها ببعث الرسل وبيان الشريعة والدعاء إلى طاعة الله، فإن عبادة غير الله والدعوة إلى غيره والشرك به هو أعظم فساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة إنما هو بالشرك، والدعوة إلى غير الله وإقامة معبود غيره ومطاع ومتبع غير رسول الله صلي الله عليه وسلم هو أعظم الفساد في الأرض، ولا صلاح لها ولا لأهلها إلا بأن يكون الله وحده هو المعبود المطاع، والدعوة له لا لغيره، والطاعة والاتباع لرسوله ليس إلا، وغيره إنما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرسول صلي الله عليه وسلم فإذا أمر بمعصيته وخلاف شريعته فلا سمع ولا طاعة، ومن تدبر أحوال العالم وجد كل صلاح في الأرض فسببه توحيد الله وعبادته وطاعة رسوله، وكل فتنة في العالم وبلاء وشر وقحط وتسليط عدو وغير ذلك فسببه مخالفة رسوله والدعوة إلى غير الله ورسوله". انتهى. وبما ذكرنا يتبين مطابقة الآية للترجمة.
قوله:"وقول الله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} الآية " قال ابن كثير: ينكر تعالى من خرج عن حكم الله المشتمل على كل خير والنهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الجهالات والضلالات كما يحكم به التتار، من السياسات المأخوذة عن جنكيزخان الذي وضع لهم كتابا مجموعا من أحكام اقتبسه من شرائع شتى وفيها كثير من الأحكام أخذها عن مجرد نظره، وصار في بنيه شرعا يقدمونه على الحكم بالكتاب والسنة، ومن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم بسواه في قليل ولا كثير.
قوله: ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟ استفهام إنكار أي لا حكم أحسن من حكمه، وهذا من باب استعمال أفعل التفضيل فيما ليس له في الطرف الآخر مشارك، أي ومن أعدل من الله حكما لمن عقل عن الله شرعه وآمن وأيقن أنه تعالى أحكم الحاكمين، وأرحم بعباده من الوالدة بولدها، العليم بمصالح عباده القادر على كل شيء الحكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره.