قوله:"فأرسل إليه " أي النبي صلي الله عليه وسلم أرسل إليه من يأتيه به، وفي صحيح مسلم أن الذي جاء به سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وعن إياس بن سلمة عن أبيه أن الذي جاء به سلمة رضي الله عنه.
قوله:"فبصق في عينيه " أي: تفل. قوله:"ودعا له فبرأ ". هو بفتح الراء والهمزة، أي عوفي في الحال عافية كاملة، وذلك بدعوة النبي صلي الله عليه وسلم كما في الحديث فدعا فاستجيب له عليه السلام، وفيه علم من أعلام النبوة أيضا، وذلك كله بالله ومن الله وحده، وهو الذي يملك الضر والنفع والعطاء والمنع، لا إله غيره ولا رب سواه.
قوله:" أنفذ" هو بضم الفاء والهمزة. قوله:"على رسلك " أمره أن يسير إليهم بأدب وأناة "حتى تنزل بساحتهم " الساحة هي ما قرب من حصونهم.
قوله:"ثم ادعهم إلى الإسلام " هذا هو شاهد الترجمة وهكذا ينبغي لأهل الإسلام أن يكون قصدهم بجهادهم هداية الخلق إلى الإسلام والدخول فيه، وينبغي لولاة الأمر أن يكون هذا هو معتمدهم ومرادهم ونيتهم، قال شيخ الإسلام: دين الإسلام الذي ارتضاه الله وبعث به رسله هو الاستسلام لله وحده فأصله في القلب، والخضوع لله وحده بعبادته دون ما سواه، فمن عبده وحده وعبد معه إلها آخر لم يكن مسلما، ومن استكبر عن عبادته لم يكن مسلما، وأما الإيمان فأصله تصديق القلب وإقراره ومعرفته.
وقوله:"وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه "، مما أمر به وشرعه من حقوق لا إله إلا الله، وهذا يدل على أن الأعمال من الإيمان خلافا للأشاعرة والمرجئة في قولهم: إنه القول وزعموا أن الإيمان هو مجرد التصديق وتركوا ما دل عليه الكتاب والسنة؛ لأن الدين ما أمر الله به فعلا، وما نهى عنه تركا. وفيه الرد على المشركين المستدلين على الشرك بكرامات الأولياء لدلالتها على فضلهم، وأمير المؤمنين علي رضي الله عنه وقع له من الكرامات ما لم يقع لغيره، وقد خد الأخاديد وأضرمها بالنار، وقذف فيها من غلا فيه أو اعتقد فيه بعض ما كان يعتقده هؤلاء المشركون مع أهل البيت وغيرهم، فصار من أشد الصحابة رضي الله عنه بعدا عن الشرك وشدة على من أشرك حتى أحرقهم بالنار١.
وكذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع ما أعطي من الكرامات صار من أبعد الصحابة عن الشرك وذرائعه. وهؤلاء أفضل أهل الكرامات، فما زادهم ذلك إلا قوة في
١ انظر " الفتح " ١٢ / ٢٦٧ - ٢٧٣ في استتابة المرتدين: باب حكم المرتد والمرتدة.