فيمن بعده من فتنة الشهوات والسلوك إلى مَفَاوِز المهالك نظير ما وقع بعد الصدر الأول من ذلك، ثم رد الله لهم الكَرَّة بعد تلك العساكر الطاغية وأشرار الحاضرة والبادية، فظهر الإسلام، وانتشر في البلاد، وسمعت أحكام الشريعة، وانتشرت في العباد. ولكن حصل في خلال ذلك مَنْ أظهر الطعن في العقائد، وتكلم كل مَن كان للحق معاند، وصار أمر العلم والعقائد لَعِبًا لكل منافق وحاسد. وكتب -رحمه الله- له هذه النصيحة، وحذره من الوقوع في أسباب النقم والفضيحة، ولم أجد تصديرها باسمه، وإنما وجدت (كتب بعضهم إلى الإمام ما صورته) وهي بقلم كاتبه وهذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى الإمام المكرم فيصل -وفقه الله لقبول النصائح، وجنبه أسباب الندم والفضائح- سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[حالة العالم قبل البعثة المحمدية]
وبعد: فلا يخفى عليك أن الله –تعالى- ما أنعم على خلقه نعمة أجل وأعظم من نعمته ببعثة عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن الله بعثه وأهل الأرض -عربهم وعجمهم، كتابيهم وأميهم، قرويهم وبدويهم- جُهَّال ضُلال على غير هدى، ولا دين يُرْتَضَى، إلا من شاء الله من أهل الكتاب، فصدع بما أوحي إليه، وأمر بتبليغه، وبَلَّغَ رسالة ربه، وأنكر ما الناس عليه من الديانات المتفرقة والملل المتباينة المتنوعة. ودعاهم إلى صراط مستقيم ومنهج واضح كريم يصل بسالكه إلى جنات النعيم، ويتطهر من كل خلق ذميم، وجاءهم من الآيات والأدلة القاطعة الدالة على صدقه وثبوت رسالته ما أعجزهم وأفحمهم عن معارضته، ولم يبق لأحد على الله حجة. ومع ذلك كابر من كابر وعاند من عاند، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق، ورأوا أن الانقياد له صلى الله عليه وسلم وترك ما هم عليه من النِّحَل والمِلَل يجر