المساكنة والاجتماع، وتعليق الحكم بالمشتق يؤذن بالعلة، فإن وقع مع ذلك سلام ومجالسة، أو فتنة بالبحث عن عقيدته وسره، عظم الأمر واشتد البلاء، وهذه محرمات مستقلة يضاعف بها الإثم والعذاب. وكيف تروج عليكم هذه الشبهات، ولكم في طلب العلم سنوات، وخوف الفتنة أحد مقاصد الهجرة، وهو غير منتفٍ مع هذه التعاليل. ومن مقاصد الهجرة الانحياز إلى الله بعبادته، والإنابة إليه، والجهاد في سبيله، ومراغمة أعدائه وإلى رسوله بطاعته وتعزيره ونصره ولزوم جماعة المسلمين، ولذلك يقرن الهجرة بالإيمان في غير موضع من كتاب الله. وكل هذا غير حاصل، وإن فرض صدق القائل فيما علل به، والغالب كذب هذا الجنس، فإن الأعمال الظاهرة تنشأ عما في القلوب من الصدق والإخلاص أو عدمهما. وقد عرفتم أن العامي الذي لا يعرف حدود ما أنزل الله على رسوله، ولم يلتفت إلى العلم تسرع إليه الفتنة أسرع من السيل إلى مُنْحَدره، ولذلك غلب على كثير من الناس عدم النُّفْرَة فرحل إليهم مَن رحل، وقبلوا رسائلهم وأفشوها في الناس، وأعانهم بعض المفتونين عن دينهم وجالسهم وراسلهم بعضُ من يقول: الدين في القلوب، ولم يلتفتوا إلى الأعمال الإسلامية والشرائع الإيمانية، ولو صدق ما زعموه في قلوبهم لأطاعوا الله ورسوله واعتصموا به، أعاذنا الله وإياكم من مُضَلات الفتن. وحماية جَنَاب التوحيد وسدُّ الذرائع الشركية، من أكبر المقاصد الإسلامية، وقد ترجم شيخنا في كتاب التوحيد لهذه القاعدة، فرحمه الله من إمام، ما أفقهه في دين الله! وما أعظم غيرته لربه وتعظيمه لحرماته! وما أحسن أثره على الناس! والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.