باليد وظهور الاستمرار على الكفر من أعدائهم، فوقعت الغلظة في مركزها حيث لم ينفع اللين. وأسعد الناس بوراثة الرسول في دعوة الخلق أكملهم في متابعته له في هذا، وكان الصِّدِّيق أكمل الناس؛ ولذلك أسلم على يده وانتفع به أممٌ كثيرةٌ بخلاف غيره فقد قيل لبعضهم: إن منكم منفرين. والقصد من التشريع والأوامر: تحصيل المصالح ودرء المفاسد حسب الإمكان، وقد لا يمكن إلا مع ارتكاب أخف الضررين، أو تفويت أدنى المصلحتين، واعتبار الأشخاص والأزمان والأحوال: أصل كبير فمَنْ أهمله وضَيَّعه فجنايته على الناس وعلى الشرع أعظم جناية. وقد قرَّر العلماء هذه الكليات والجزئيات، وفصَّلُوا الآدابَ الشرعية، فمن أراد أن ينصب نفسه في مقام الدعوة، فليتعلم أولا؛ وليزاحم رُكَب العلماء قبل أن يرأس، فيدعو بحجة ودليل، ويدري كيف السير في ذلك السبيل، فإن الصبابة لا يعرفها إلا مَن يعانيها، والعلوم لا يدريها إلا مَن أخذها عن أهلها وصحب راويها:
ما كل من طلب المعالي نافذا ... فيها ولا كل الرجال فحولا
وهذا، وقد كنت أظن أنكم تحبون مَن هاجر إليكم، وتراعون حق أسلافه في المشيخة عليكم، ومكان العلم وتعليمه، وحق الشيخ وتكريمه غير معتبر لدى الجمهور، قبل قصدهم المناصب والظهور، قال الشيخ، وحدثنا، وجلس الأستاذ، ونبأنا، ن هو غاية قصد الأكثرين، إلا عباد الله المخلصين. والسلام عليك وعلى من حضر من المسلمين لديك، وما بسطت لك الكلام، إلا محبة وإعلام، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.