العامة، ولكن لما خاض الناس في علم الكلام، وعربت كتب اليونان وقدماء الفلاسفة الذين هم من أجهل خلق الله، وأضلهم في النظريات والضروريات، فضلا عن السمعيات مما جاءت به النبوات، حدث بسبب ذلك من الخوض والجدال في صفات الله ونعوت جلاله التي جاءت بها الكتب، وأخبرت بها الرسل، ما أوجب لكثير من الناس تعطيل وجود ذاته وربوبيته كما جرى للاتحادية والحلولية. فمن باب الكلام والمنطق دخلوا في هذا الكفر الشنيع، والإفك الفظيع، ومنهم من عطل صفات كماله ونعوت جلاله، التي وصف بها نفسه، ووصفته بها رسله؛ وتمدح بها، وأثنى عليه بها صفوة خلقه وخلاصة بريته؛ حتى آل هذا القول والتعطيل بأهله إلى أن شبهوه بالعدم المحض، فلم يصفوه إلا بصفات سلبية، ولم يثبتوا له من صفات كماله ونعوت جلاله ما هو عين الكمال والتعظيم والإيمان والإجلال. واختلف هذا القسم اختلافا كثيرا في أصول المقالات وفروعها: فمنهم من طرد الباب في جميع الصفات. ومنهم من أثبت بعضا زعما منه أن العقل لا يثبت سواها، ونفى ما عاداها من الصفات كما هو المعروف عمن ينتسب إلى الأشعري والكرامي، ثم هؤلاء قد يقولون في آيات الصفات وأحاديثها: تجرى على ظاهرها، يريدون أنها تتلى ولا يتعرض لإثبات ما دلت عليه من المعنى المراد، والحقيقة المقصودة، بل يصرحون برد ذلك ونفيه. ومقصود السلف بقولهم: أمِرُّوها كما جاءت، وقول من قال: تجرى على ظاهرها، إثبات ما دلت عليه من الحقيقة، وما يليق بجلال الله وعظمته وكبريائه ومجده وقيوميته وحده، كما ذكر الوليد بن مسلم عن مالك والليث وسفيان الثوري، والأوزاعي أنهم قالوا: أمرُّوها كما جاءت بلا كيف،