للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(والأمر الثالث) في هذه الآية قوله: {وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُون َ} ١، ومن لا يدري متى يبعث لا يصلح أن يدعى من دون الله، لا دعاء عبادة ولا دعاء مسألة. ثم بين تعالى ما أوجبه على عباده من إخلاص العبادة لله، وأنه هو المألوه المعبود دون كل من سواه، فقال: {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} ٢. وهذا هو الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} ٣. ثم بين تعالى حال أكثر الناس مع قيام الحجة عليهم، وبطلان ما هم عليه من الشرك بالله، وبيان ما افترض عليهم من توحيده فقال: {فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} ٤، فذكر سببين حائلين بينهم، وبين قبول الحق الذي دعوا إليه: (فالأول) : عدم الإيمان باليوم الآخر. (والثاني) : التكبر، وهو حال الأكثرين كما قد عرف من حال الأمم الذين بعث إليهم رسله، كقوم نوح وقوم هود وقوم صالح وغيرهم، وكيف جرى منهم وما حل بهم، وكحال كفار قريش والعرب وغيرهم مع النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه الله بالتوحيد والنهي عن الشرك والتنديد، فقد روى مسلم وغيره من حديث عمرو بن عبسة أنه "قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما قال له: أنا نبي، قال: وما نبي؟ قال: أرسلني الله، قال: بأي شيء أرسلك؟ قال: بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله ولا يشرك به شيء، قال: فمن معك على هذا؟ قال: حر وعبد" ٥، ومعه يومئذ أبو بكر وبلال. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس" ٦، وفسر الغرباء بأنهم النزاع من القبائل، فلا يقبل الحق من القبيلة إلا نزيعة الواحد والاثنان؛ ولهذا قال بعض السلف: لا تستوحش من الحق لقلة السالكين، ولا تغتر


١ سورة النحل آية: ٢١.
٢ سورة البقرة آية: ١٦٣.
٣ سورة الأنبياء آية: ٢٥.
٤ سورة النحل آية: ٢٢.
٥ مسلم: صلاة المسافرين وقصرها (٨٣٢) , وأحمد (٤/١١٢) .
٦ مسلم: الإيمان (١٤٥) , وابن ماجه: الفتن (٣٩٨٦) , وأحمد (٢/٣٨٩) .

<<  <   >  >>