جابر، وهؤلاء يتخذون عليها الألواح، ويكتبون عليها القرآن، ويزيدون على ترابها بالجص والآجر والأحجار. وقد آل الأمر بهؤلاء الضلال المشركين إلى أن شرعوا للقبور حجا، ووضعوا لها مناسك، حتى صنف بعضهم في ذلك كتابا سماه مناسك حج المشاهد.
لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها
ولا يخفى أن هذا مفارقة لدين الإسلام ودخول في دين عباد الأصنام، فانظر إلى هذا التباين العظيم بين ما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته، وبين ما شرعه هؤلاء. والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بزيارة القبور لأنها تذكر الآخرة، وأمر الزائر أن يدعو لأهل القبور، ونهاه أن يقول هجرا؛ فهذه الزيارة التي أذن رسول الله فيها لأمته وعلمهم إياها، هل تجد فيها شيئا مما يعتمد عليه أهل الشرك والبدع، أم تجدها مضادة لما هم عليه من كل وجه؟ وما أحسن ما قال الإمام أحمد:١ -رحمه الله-: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، ولكن كلما ضعف تمسك الأمم بعهود أنبيائهم، عوضوا عن ذلك بما أحدثوا من البدع والشرك، ولقد جرد السلف الصالح التوحيد وحموا جانبه، حتى كان أحدهم إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم أراد الدعاء جعل ظهره إلى جدار القبر ثم دعا، وقد نص على ذلك الأئمة الأربعة أنه يستقبل القبلة للدعاء حتى لا يدعو عند القبر، فإن الدعاء عبادة.
الدعاء للميت لا الاستشفاع به
وبالجملة فإن الميت قد انقطع عمله فهو محتاج إلى من يدعو له، ولهذا شرع في الصلاة عليه من الدعاء ما لم يشرع مثله للحي، ومقصود الصلاة على الميت الاستغفار له والدعاء له، وكذلك الزيارة مقصودها الدعاء للميت والإحسان
١ هذه الكلمة مأثورة عن الإمام مالك فالظاهر أن الناسخ كتب "الإمام أحمد" سهوا منه. ويحتمل أنها مروية عن الإمامين -رحمهما الله تعالى-.