للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[لا تكون العصمة إلا مع التزام شرائع الإسلام]

وقال الشيخ تقي الدين لما سئل عن قتال التتار مع تمسكهم بالشهادتين، ولما زعموا من اتباع أصل الإسلام: كل طائفة ممتنعة من التزام شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة من مقاتلي هؤلاء القوم وغيرهم، فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين ملتزمين بعض شرائعه، كما قاتل أبو بكر والصحابة -رضي الله عنهم- مانعي الزكاة، وعلى ذلك اتفق العلماء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر لأبي بكر رضي الله عنه، فاتفق الصحابة على القتال على حقوق الإسلام عملا بالكتاب والسنة؛ وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من عشرة أوجه عن الخوارج والأمر بقتالهم، وأخبر أنهم شر الخلق والخليقة مع قوله: "تحقرون صلاتكم من صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم" ١. فعلم أن مجرد الاعتصام بالإسلام، مع عدم التزام شرائعه العظام ليس بمسقط للقتال، فالقتال واجب حتى يكون الدين كله لله، وحتى لا تكون فتنة؛ فمتى كان الدين لغير الله فالقتال واجب. فأيما طائفة امتنعت عن الصلوات المفروضات، أو الصيام، أو الحج، أو عن التزام تحريم الدماء والأموال، أو الخمر، أو الزنى، أو الميسر، أو نكاح ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار، أو ضرب الجزية على أهل الكتاب، أو غير ذلك من التزام واجبات الدين، أو محرماته التي لا عذر لأحد في جحودها، أو تركها الذي يكفر الواحد بجحودها، فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها؛ وهذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء. وإنما اختلف الفقهاء في الطائفة الممتنعة إذا أمرت، على ترك بعض السنن كركعتي الفجر أو الأذان، أو الإقامة عند من لا يقول بوجوبها، ونحو ذلك من الشعائر، فهل تقاتل الطائفة الممتنعة على تركها أم لا؟


١ البخاري: فضائل القرآن (٥٠٥٨) , ومسلم: الزكاة (١٠٦٤) , وأحمد (٣/٣٣ ,٣/٥٦ ,٣/٦٠) .

<<  <   >  >>