يا رسول الله، أبعد هذا الخير شر؟ قال: يا حذيفة تعلم كتاب الله واتبع ما فيه، ثلاث مرار، قال: قلت: يا رسول الله، أبعد هذا الخير شر؟ قال: فتنة وشر، قال: قلت: يا رسول الله، أبعد هذا الشر خير؟ قال: هدنة على دخن، وجماعة على أقذاء، قال: قلت: يا رسول الله، الهدنة على دخن ما هي؟ قال: لا ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه، قال: قلت: يا رسول الله، أبعد هذا الخير شر؟ قال: يا حذيفة، تعلَّم كتاب الله واتبع ما فيه ثلاث مرار، قال: قلت: يا رسول الله أبعد هذا الخير شر؟ قال: فتنة عمياء صماء عليها دعاة على أبواب النار، وإن تمت يا حذيفة وأنت عاض على جذل، خير لك من أن تتبع أحدا منهم ". (قلت) : فتأمل ما أرشد إليه حذيفة، وأوصاه عند حدوث الفتن العظام التي لا يبصر أهلها الحق، ولا يسمعون من الداعي والناصح، وتكريره الوصية بقراءة كتاب الله واتباع ما فيه، لأن المخرج من كل فتنة موجود فيه مقرر، لكن لا يفقهه ولا يفهمه إلا من تعلم كتاب الله ألفاظه ومعانيه، ووفق للعمل بما فيه، فذلك جدير أن يهبه الله نورا يمشي به في الناس، ولا يخفى عليه ما وقع فيه الأكثر من الشك والريب والالتباس. وهذا الصنف عزيز الوجود في القراء ومن ينتصب إلى العلم والطلب فكيف بغيرهم؟ شعر:
أما الخيام فإنها كخيامهم ... وأرى نساء الحي غير نسائها
فعليكم بلزوم الوصية النبوية لصاحب السر حذيفة بن اليمان، وبتدبر القرآن والتفقه في معانيه، يعرف العبد إن عقل عن الله أن أوجب واجب فيه وأهمه وآكده وزبدته معرفة الله –تعالى- بما تعرّف به إلى عباده من صفات كماله ونعوت جلاله، وبديع أفعاله، وإحاطة علمه، وشمول قدرته، وكمال عزته، وعميم رحمته، وبمعرفة ذلك يهتدي العبد إلى محبته وتعظيمه