ومن هنا أحسست بأهمية الموضوع الذي أخوض غماره، فهو مجال تربوي عملي، يشعر فيه المسلم أنه أمام حياة حافلة بالأمجاد الواقعية، والبطولات الإسلامية النادرة التي تجسدت في خطوات المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام.
ثانياً: أن علم السيرة والمغازي من العلوم الإسلامية التي اختلط فيها الحق بالباطل والسليم بالسقيم، والصحيح بالضعيف من جرّاء الجمع الذي لا يراعى فيه إلاَّ حشد الوقائع والأحداث دون تمحيص أو تدقيق، وكان هذا هو الأسلوب المتبع لدى كُتّاب السير والمغازي.
وقد يكون عذرهم مقبولاً في ذلك، لأنهم قد أوردوا ذلك بالأسانيد منسوبة إلى قائليها، ومن أراد التحقيق فله ذلك، غير أن هذا الأسلوب الذي سلكه كتّاب السير والمغازي، أساء إلى السيرة النبوية كثيراً، وخلط فيها خلطاً مشيناً، فرأيت أن أختار هذه الغزوة فأقوم بتمحيص مروياتها، لأن الكذب في سيرته صلى الله عليه وسلم كالكذب في حديثه، يحتاج إلى بذل الجهود المخلصة لتنفيه من سيرته صلى الله عليه وسلم كما نفته من حديثه، فكان ذلك من جملة البواعث والأسباب التي دفعتني للكتابة في هذه الغزوة.
ثالثاً: أن سيرته صلى الله عليه وسلم في حياته ليست مجرد أوصاف لعاداته وصفاته الطبيعية، وإنما هي بالإضافة إلى ذلك أحكام ومعاملات وعقود ومعاهدات وحياة حافلة بالأعمال النبوية في شتى المجالات.
وتجتمع هذه الحياة النبوية الشريفة في نطاق الأسوة والقدوة التي أمرنا الله بها في كتابه، في قوله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} ، [سورة الأحزاب، الآية:٢١] .
ولا يتأتى للمسلم أن يقتدي به عليه الصلاة والسلام في سيرته إلاَّ إذا كانت تلك السيرة ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم، وفق مناهج المحدثين، وهذا أمر شائك، لا يستطيع القيام به إلاَّ من توفرت لديه وسائله العلمية المطلوبة،