[وجوب طاعة ولاة الأمر والرد على من أباح الخروج عليهم]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر، ومن ولي الخلافة واجتمع الناس عليه ورضوا به، ومَنْ ظهر عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين.
والغزو ماضٍ مع الإمام إلى يوم القيامة البر والفاجر لا يترك، وقسمة الفيء وإقامة الحدود إلى الأئمة ماضٍ ليس لأحد أن يطعن عليهم ولا ينازعهم.
ودفع الصدقات إليهم جائزة نافذة، من دفعها إليهم أجزأت عنه براً كان أو فاجراً.
وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولاه جائزة باقية تامة ركعتين، من أعادهما فهو مبتدع تارك للآثار مخالف للسنة ليس له من فضل الجمعة شيء إذا لم ير الصلاة خلف الأئمة -من كانوا- برهم وفاجرهم، فالسنة بأن يصلي معهم ركعتين، وتدين بأنها تامة لا يكن في صدرك من ذلك شيء].
في هذا رد على الخوارج الذين يخرجون على الأئمة، ورد أيضاً على المعتزلة الذين يبيحون الخروج على الأئمة، ويجعلون ذلك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والأئمة هم الذين تتم لهم الولاية؛ ويستولون على الأمة الإسلامية سواء كان ذلك الوالي عهد إليه من قبله أو أخذها بالقوة وتولى عليهم بالغلبة، كل هذا بلا شك إذا تمت له الولاية وجبت الطاعة والسمع له، وحرم الخروج عليه؛ وذلك لأن الخروج على الأئمة يسبب فتناً وضرراً على المسلمين، وكم حصل بسببه من القتل؟! وكم حصل بسببه من السجن وإضرار المسلمين وإضرار علماء المسلمين؟! فلأجل ذلك قالوا: يجب السمع والطاعة لولاة الأمور، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: (أوصيكم بالسمع والطاعة -يعني: لولاة الأمور- وإن تأمر عليكم عبد حبشي مجدع الأطراف كأن رأسه زبيبة)، أمر بأن يسمع له ويطاع إلا أنهم لا يطاعون في معصية، لقوله: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، ولكن لا يجوز أن يخرج عليهم بالسيف، ولا أن تنزع الطاعة من أيديهم.
أما الأعمال التي تعمل معهم فإن الإمام غالباً هو الذي يتولى الغزو، ويتولى الحج، كما يقول العلماء: الحج والجهاد ماضيان مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً؛ فإن هذا من خير أعمالهم.
فإذا تولى على الجيش الذي يغزو والٍ وكان فيه شيء من الفسق كشرب الخمر أو سماع الغناء أو نحو ذلك، لم يكن ذلك مسبباً لنزع اليد من طاعته، وكذلك لو أقام الحج أحد الولاة والأمراء المعروفين بشيء من الفسق فإن ذلك أيضاً من حسناتهم ولا يجوز نزع الطاعة ولا الخروج عليهم.
وكذلك أيضاً هم الذين يقسمون الأموال؛ لأن قسمة الفيء وقسمة الغنائم وقسمة الأموال تكون إليهم، يضعونها كما أمر الله، ويفرقونها على مستحقيها وتقبل منهم، وكذلك أيضاً دفع الصدقات والزكوات إليهم وما أشبهها، ومن دفعها إليهم فإنه تبرأ ذمته ولا يلزمه أنه يخرجها مرة أخرى.
وبكل حال فالأئمة وولاة الأمور الذين لهم الولاية العامة تجب طاعتهم ما لم يأمروا بمعصية، ويحرم الخروج عليهم ونبذ طاعتهم، لما يترتب على ذلك من المفاسد والفتن.
وكذلك أيضاً تصح الصلاة خلفهم، وكان الولاة هم الذين يصلون الجمع والأعياد، والوالي هو الذي يتولى صلاة الجمعة والعيد، ولو كان فيه شيء من الفسق أو من المعاصي.
وذهب بعض المبتدعة: إلى أنه لا تجوز الصلاة خلفهم، حتى ولو كان الإمام أميراً أو والياً، وصاروا يعيدون، فيصلي أحدهم خلفه ثم يعيد الصلاة، وهذا من التشدد والتنطع، وقد كان الصحابة يصلون خلف الأئمة والأمراء الذين عليهم، وفيهم شيء من الفسق كـ الحجاج وابن زياد ونحوهما، ولا يعيدون الصلاة.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.