قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومن لقي الله بذنب يجب له النار تائباً غير مصر عليه فإن الله عز وجل يتوب عليه، و {يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئَاتِ}[الشورى:٢٥].
ومن لقيه وقد أقيم عليه حد ذلك الذنب في الدنيا فهو كفارته كما جاء في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن لقيه مصراً غير تائب من الذنوب التي استوجب بها العقوبة، فأمره إلى الله عز وجل إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
ومن لقيه كافراً عذبه ولم يغفر له].
وأمر الآخرة إلى الله تعالى، فقد أخبر الله بأنه:{يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}[آل عمران:١٢٩]، وذلك إليه سبحانه وتعالى.
فمن لقيه وهو من أهل التوحيد فهو أهل أن يغفر له، كما ورد في حديث ابن مسعود:(من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار)، ولكن مع ذلك فإننا لا نجزم لهذا بالجنة ولهذا بالنار، بل نقول: هذا ورد وعيده وهذا ورد وعده وكلهم تحت مشيئة الله تعالى، إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم، ولو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم؛ وذلك لأن أعمالهم مهما كثرت لا تقابل نعمة الله عليهم ورحمته بهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل).
فنحن محتاجون إلى رحمة الله، وأعمالنا تقصر عن أن تكون سبباً مستقلاً لنجاتنا، ولكن الله تعالى أمر بالعمل الصالح، وأمر بالإكثار من الحسنات، ونهى عن السيئات، وجعل ذلك من أسباب رحمته ودخول جنته، ونهى عن السيئات والمخالفات التي تكون أيضاً سبباً لغضبه وعذابه.
أما إذا لقي الله تعالى وقد أقيم عليه الحد، فإذا كان تائباً من ذلك الذنب فإن الحد كفارة، وإذا أقيم عليه الحد ولكنه لم يعترف ولم يتب فلا ينفعه، إنما يكون الحد زاجراً له مرة أخرى عن هذا الذنب أو زاجراً لغيره.
وقد بين العلماء أن الحدود لا تكون كفارة إلا لمن تاب، فمن زنى -مثلاً- وجاء معترفاً وقال: أقيموا علي الحد كما فعل ماعز والغامدية فإن ذلك كفارة، وأما من أنكر وشهد عليه الشهود بأنه زنى ورجم بذلك وهو منكر غير تائب فالحد لا يطهره، وإنما يمنع غيره من أن يفعلوا كفعله، وهكذا بقية الحدود التي تقام في الدنيا لا تكون مكفرة إلا لمن تاب من ذلك الذنب وحسنت توبته.