قال المصنف رحمه الله تعالى:[ومن السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقبلها ويؤمن بها لم يكن من أهلها: أولاً: الإيمان بالقدر خيره وشره، والتصديق بالأحاديث فيه، والإيمان بها، لا يقال: لمَ؟ ولا كيف؟ إنما هو التصديق والإيمان بها، ومن لم يعرف تفسير الحديث ويبلغه عقله، فقد كفي ذلك وأحكم له، فعليه الإيمان به والتسليم، مثل حديث الصادق المصدوق، ومثل ما كان مثله في القدر، ومثل أحاديث الرؤيا كلها، وإن نبت عن الأسماع واستوحش منها المستمع، وإنما عليه الإيمان بها، وألا يرد منها حرفاً واحداً، وغيرها من الأحاديث المأثورات عن الثقات، وألا يخاصم أحداً ولا يناظره، ولا يتعلم الجدال، فإن الكلام في القدر والرؤية والقرآن وغيرها من السنن مكروه ومنهي عنه، لا يكون صاحبه وإن أصاب بكلامه السنة من أهل السنة حتى يدع الجدال ويؤمن بالآثار].
الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة، وهو: أن يؤمن العبد بأن الله علم ما سوف يكون وكتب ذلك في اللوح المحفوظ.
ويؤمن بأنه لا يكون في الوجود شيء إلا بعد إرادة الله، ولا يكون إلا ما يريد.
ويؤمن بأن الله خالق كل شيء، وأنه ليس من شيء موجود من المخلوقات ومن الأفعال ومن الأحكام إلا والله خالقه، وعندئذ يؤمن بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).
وكما في حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد)، أي: يكتب ذلك وهو في بطن أمه، ولما سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا:(ألا ندع العمل ونتكل على كتابنا؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له).
فنحن مأمورون بأن نعمل والله هو الذي ييسر الإنسان ويعينه لما خلقه له، فمن خلقه شقياً خذله حتى يعمل عمل أهل الشقاوة، ومن خلقه سعيداً يسر الله له أسباب السعادة.
وأما الإيمان بأن المؤمنين يرون ربهم في الجنة فهذا -أيضاً- ثابت، وقد جاءت به الأحاديث، وأنكر ذلك الإباضية وغيرهم من المعتزلة، ولا يُعتد بإنكارهم.
وكذلك -أيضاً- يتجنب الجدل الذي هو الخصومات والمنازعات التي ما أنزل الله بها من سلطان، بل على المؤمن أن يستسلم لما يعرفه، ولا يرد شيئاً إذا ثبت ولم يعرفه، ولا يسأل عن الأشياء الغيبية، فلا يقول: لماذا خلق الله كذا؟ ولماذا أمر الله بكذا؟ بل يقول: سمعنا وأطعنا، دون أن يسأل عن الكيفية في أسماء الله وصفاته، ولا عن العلل بأفعال الله وأحكامه، فما عرف منها قبله، وما لم يعرفه استسلم له.