[الخلاف في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا]
قال المصنف رحمه الله:[وأن النبي قد رأى ربه؛ فإنه مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صحيح، رواه قتادة عن عكرمة عن ابن عباس، ورواه الحكم بن إبان عن عكرمة عن ابن عباس، ورواه علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس، والحديث عندنا على ظاهره كما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والكلام فيه بدعة، ولكن نؤمن به كما جاء على ظاهره، ولا نناظر فيه أحداً].
مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه مسألة خلافية، فأثبت ذلك ابن عباس كما في هذه الأحاديث، وأنكرت ذلك عائشة، وأنكرت على من يقول: إنه رأى ربه.
وقد ورد في ذلك أحاديث فيها عدم الرؤية، كما في حديث أبي ذر في صحيح مسلم قال:(سألت النبي صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ فقال: نور أنى أراه)، وفي رواية:(رأيت نوراً).
فهذا دليل على أنه إنما رأى نوراً، وقد أخبر بأن الله تعالى حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، ولكن الصحيح: أنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه رؤية قلبية لا رؤية بصرية، وبذلك فسرت الرواية عن ابن عباس، والدليل على هذا أن الله قد منع ذلك موسى، كما قال تعالى عنه:{رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ}[الأعراف:١٤٣] طلب موسى أن ينظر إلى ربه، فقال الله:{لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا}[الأعراف:١٤٣] الآية.
فرؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه إنما هي مكاشفات قلبية لا رؤية بصرية، وذلك لضعف الإنسان في هذه الدنيا عن أن يثبت لعظمة الله وجلاله، أما في الآخرة فإن الله يمد أهل الجنة بقوة يتمكنون من رؤيته، ويثبتون أمام رؤيته؛ وليس خلقتهم في الجنة كخلقتهم في الدنيا.