للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والاتجاه الثالث والأخير من اتجاهات نشر الخبر، هو الاتجاه الذي عليه الآن أحدث الصحف، والصحافة الحديثة -كما يقول بعضهم- كائنٌ حيٌّ يتطور بتطور المجتمع، ولذلك يرى أصحاب هذا الاتجاه الثالث والأخير, أن السياسة الخبرية الصحيحة ليست في الجمود على طريقة واحدة، ولكن في التطور والتجدد بتجديد المجتمعات الإنسانية ذاتها، وتغير الظروف المحيطة بها، ومعنى ذلك باختصار أن أصحاب هذا المذهب الأخير في نشر الخبر يحاولون المزج بين المذهبين السابقين, والتقريب بين الاتجاهين السالفين.

والسبب في انتهاج هذا المذهب الثالث والأخير, هو التقدم الذي أصاب المجتمعات الحديثة في العلم والحضارة، وثَمَّ سببٌ آخر لانتهاج هذا المذهب أيضًا، هو أن الصحافة كانت من العوامل الكبيرة التي قربت بين طبقات المجتمعات، وانتهت إلى إيجاد نوعٍ من التجانس العقليِّ بين أفراده كلهم، بحيث لم يعد الفرق كبيرًا في الثقافة بين طبقة وأخرى، كما كان الشأن في الأجيال القديمة.

والذي لا ريب فيه أن هذه المشاكلة بين طبقات الأمة دليلٌ على الصحة العقلية لهذه الأمة, والذي لا ريب فيه أيضًا, أن الصحافة صاحبة الفضل الأول في استمتاع المجتمعات الحديثة بهذه الصفة.

فإذا صح ما نقول -وهو صحيح في كثير من مجتمعات العالم الحديث- فقد وجب على الصحافة الحديثة أن تعنى بأمرين اثنين عنايةً متساويةً في كليهما:

الأمر الأول: هو تسلية الجمهور.

الأمر الثاني: هو تثقيف الجمهور.

والعناية المتساوية بهذين الأمرين معًا, تحمل الجريدة على الجمع بين المذهبين السابقين من مذاهب نشر الخبر، فإن المذهب الأول لا يصلح إلّا لمخاطبة العوامِّ من الناس، والمذهب الثاني ممعنٌ في سموِّه وترفعه على الناس.

<<  <   >  >>