أما بعد فإنا معاشر غزو الموحدين لما من الله علينا _ وله الحمد _ بدخول مكة المشرفة، نصف النهار يوم السبت ثامن شهر محرم الحرام سنة ١٣١٨ هـ بعد أن طالب أشراف مكة وعلماؤها وكافة العامة من أمير الغزو سعود حماه الله الأمان. وقد كانوا تواطؤا مع أمراء الحجيج وأمير مكة على قتاله والإقامة في الحرم، لصدروه عن البيت، فلما زحفت أجناد الموحدين ألقى الله الرعب في قلوبهم فتفرقوا شذر مذر، كل واحد يعد الإياب غنيمة له، وبذل حينئذ الأمير الأمان لمن بالحرم الشريف، ودخلنا شعارنا التلبية آمنين محلقين رؤوسنا مقصرين غير خائفين من أحد من المخلوقين، بل من مالك يوم الدين، ومن حين دخل الجند الحرم، وهم على كثرتهم مضبوطون متأدبون، لم يعضدوا شجرا ولم ينفروا به صيدا ولم يريقوا دما الأدم الهدي، أو ما أحل الله من بهيمة الأنعام، على الوجه المشروع، ولما تمت عمرتنا جمعنا الناس ضحوة الأحد وعرض الأمير _ عافاه الله _ على العلماء ما نطلب من الناس ويدعوهم إليه، وهو إخلاص التوحيد لله تعالى وحده، وعرفهم أنه لم يكن بيننا وبينهم خلاف له وقع إلا في أمرين:
أحدهما: إخلاص التوحيد لله تعالى ومعرفة أنواع العبادة وأن الدعاء من جملتها تحقيق معني الشرك، الذي قاتل الناس عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، واستمر دعاؤه برهة من الزمان بعد النبوة إلي ذلك التوحيد، وترك الإشراك، قبل أن تفرض عليه أركان الإسلام الأربعة.
والثاني: الأمر بالمعروف والنهي عن المكر الذي لم يبق عندهم إلا اسم، وانمحى أثره ورسمه، فوافقونا على استحسان ما نحن عليه جملة وتفصيلا، وبايعوا الأمير على الكتاب والسنة، وقبل منهم وعفا عنهم كافة، فلم يحصل على أحد منهم أدنى مشقة، ولم يزل يرفق بهم غاية الرفق لاسيما العلماء ويقرر لهم حال اجتماعهم _ وحال انفرادهم _ لدينا ما نحن عليه، ويطلب منهم المناصحة والمذاكرة وبيان الحق وعرفناهم بأن صرح لهم الأمير حال.