للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الباب الثاني من البديع وهو التجنيس ١:

وهو أن تجيء الكلمة تُجانس أُخرى في بيت شعر وكلام، ومجانستها لها أن تشبهها في تأليف حروفها على السبيل الذي ألف الأصمعي كتاب الأجناس عليها.

وقال الخليل٢: الجنسُ لكل ضرب من الناس والطير والعروض والنحو، فمنه:

ما تكون الكلمة تُجانس أخرى في تأليف حروفها ومعناها ويشتق منها، مثل قول الشاعر "من الكامل":

يوم خلجت على الخليج نفوسهم٣

أو يكون تُجانِسها في تأليف الحروف دون المعنى مثل قول الشاعر "من البسيط":

إن لوم العاشق اللُّوم٤

قال الله تعالى: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ٥. وقال سبحانه: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ} ٦. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عصية ٧ عصت الله، وغفار غفر الله لها". وقال: "الظلم ظلمات". وقال معاوية٨ لابن عباس رحمه الله: "ما لكم يا بني هاشم تصابون في أبصاركم؟ "فقال٩": كما تصابون في بصائركم" ويقال: ان عقيل بن أبي طالب تكلم بذلك. وقال أبو تمام "من الطويل":

جلا ظلمات الظلم عن وجه أمة ... أضاء لها من كوكب الحق آفله١٠

وسرقه من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي تقدم. وقال القطامي١١ "من الوافر":


١ عقد له صاحب الصناعتين بابًا "٣١٠-٣٢٨" تأثر فيه بابن المعتز إلى حد بعيد، وكذلك فعل ابن رشيق "٢٨٩/ ١ العمدة طبعة ١٩٣٤" ويسميه قدامة المجانس "ص٩٦ نقد الشعر" وسمَّى نوعًا منه بالمطابق، وقد تأثر في ذلك بثعلب "٢٤ قواعد الشعر لثعلب طبع ليدن، ٩٦ نقد الشعر".
٢ إمام اللغة والأدب وصاحب العين ومبتكر علم العروض وأستاذ سيبويه "١٠٠-١٧٠هـ".
٣ خلجت عينه: من باب جلس ودخل، واختلجت: طارت، والخليج من البحر: شرم منه، وهو أيضًا النهر، والبيت للخزيمي كما سيأتي في الشاهد ١١٧.
٤ جزء من بيت شعر لمسلم كما سيأتي في الشاهد ١١٣، واللوم مخفف اللؤم.
٥ سورة النمل، آية: ٤٤.
٦ سورة الروم، آية: ٤٣.
٧ اسم قبيلة، وفي الأصل: له بدل.
٨ أول خلفاء بني أمية، مات عام ٦٠هـ.
٩ زيادة عن الأصل لتصحيح المعنى، وهي رواية الصناعتين أيضًا.
١٠ جلا: كشف. ظلمات: جمع ظلمة.
١١ شاعر فحل رقيق حواشي الكلام كثير الأمثال في شعره، مات نحو عام ١٠١هـ.

<<  <   >  >>