أما رسالته الثانية التي رواها ابن الجوزي بسنده عن كتاب عمر بن عبد العزيز ورواها بكاملها أبو نعيم في الحلية١، فهي واضحة جلية تدل على الإيمان بالقدر وموقف عمر رحمه الله من القدرية وجهوده في تقرير الإيمان بالقدر ومنهجه في الرد على القدرية حيث ذكر أقوالهم قولا قولا ثم عقب على كل قول بالرد مع الاعتماد في الرد على النصوص من الكتاب والسنة وأقوال السلف. وقد بين رحمه الله تعالى خطورة قول القدرية وضمن ردوده عليهم أعنف العبارات، وكشف مقصد القدرية في مقالاتهم السيئة، وبين لهم ضلالهم في فهم النصوص من الكتاب والسنة، وفي مسائل الهداية والضلالة، وعلم الله السابق لخلقه والمشيئة والإرادة، وأفعال العباد. كما بين مسألة الآجال والأرزاق مبينا قول أهل السنة في ذلك. وسيأتي مزيد بيان لهذه الرسالة في ردوده على القدرية.
وتبين مما أثر عن عمر أن الإيمان بالقدر مما اتفقت الفطر السليمة على الإقرار به، فالعرب في الجاهلية قبل الإسلام مع كونهم يعبدون الأصنام وجد منهم من كان مؤمنا بالقدر، واستفاض ذلك فكانوا يتكلمون به نظما ونثرا. ولما جاء الإسلام أقره فإقرار الإسلام له، دليل على أنه من بعض العقائد السليمة التي بقيت في الجاهلية مثل الاعتراف بتوحيد
١ انظر الحلية ٥/٣٤٦- ٣٥٣، وانظر ابن الجوزي سيرة عمر ص٨٨- ٨٩.