كذلك وجبت عليه الزكاة بالنص لا بالاجتهاد وإنما الكلام في الحكم الثابت بالاجتهاد وهو لا يوجد فيه مثل هذا القول فلا يكون النطق بذلك نطقا بالوحي وأجاب عنه المصنف بأن الاجتهاد إذا كان مأمورا به لم يكن النطق به هوى وهو مدخول لإشعاره بأن الخصم احتج بصدر الآية وليس كذلك إذ هو لا يقول بأن القول بالاجتهاد قول بالهوى والثاني لأنه لو جاز له عليه السلام الاجتهاد لامتنع عليه انتظار الوحي لفصل الحكومات وغيرها لأن الفصل يجب على الفور وقد تمكن منه الاجتهاد ولكنه قد أخره وانتظر الوحي كثيرا
وأجاب بوجهين أحدهما أن العمل بالقياس لما كان مشروطا بعدم وجدان النص فكان انتظاره للوحي لكي يحصل اليأس عن النص فإن قلت إنما شرط فقدان النص إذا احتمل أن يكون ثم نص فأنه يؤمر المجتهد إذ ذاك بالفحص الشديد أما إذا تحقق عدمه فلا يتجه انتظار تشريعه ولو كان كذلك لا يقدح للمعترض أن يقول لينتظر المجتهد إجماع الأمة ولطوينا بساط الاجتهاد قلت كان احتمال نزول النص في حقه صلى الله عليه وسلم بمنزلة احتمال كونه موجودا في حق سائر المجتهدين لقرب وجدانه في الجهتين والثاني أنه يحتمل أن يكون انتظاره الوحي إنما كان فيما لا مساغ للاجتهاد فيه ولا أصل يقيس عليه
فائدتان أحدهما:قال الغزالي يجوز القياس على الفرع الذي قاسه النبي صلى الله عليه وسلم وعلى كل فرع اجتمعت الأمة على إلحاقه بأصل قال لأنه صار أصلا بالإجماع والنص فلا ينظر إلى مأخذهم
الثانية:النبي صلى الله عليه وسلم يتصرف في الفتاوى وأن الأقضية يجوز فيها من غير نزاع وستعرف الفرق بينهما بسؤال نذكره من كلام القرافي ومما يدل على جوازه في الأقضية مما روى أبو داود من حديث أبي سلمة رضي الله عنه قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان يختصمان في مواريث وأشياء قد درست فقال: "إني إنما أقضي بينكم برأي فيما لم ينزل علي فيه" فإن قلت ما الفرق بين هذه الأمور وبين الرسالة والنبوة قلت تصرفه صلى الله عليه وسلم بالفتيا هو إخباره عن الله تعالى بما يجده في الأدلة من حكم الله تعالى كما نقول في سائر المفتيين وتصرفه بالتبليغ هو مقتضى الرسالة وهي أمر الله تعالى في ذلك التبليغ فهو عليه السلام ينقل عن الحق