أما المقدمة الأولى: فبالنقل عن أئمة اللغة ومنه قوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} أي بمصدق لنا
وأما الثانية فلأن الإيمان هو الإسلام والإسلام هو الدين والدين هو فعل الواجبات فالإيمان فعل الواجبات إنما قلنا إن الإيمان هو الإسلام لوجهين
أحدهما: أنه لو لم يكن كذلك لم يكن مقبولا من مبتغيه لقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} .
والثاني: أنه تعالى استثنى بعض المسلمين من المؤمنين في قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ*فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ولولا الاتحاد لما صح الاستثناء لأن الاستثناء إخراج بعض الأول.
فإن قلت أين الإستثناء وليس هنا إلا لفظة غير وهي ظاهر في الوصفية قلت هي هنا بمعنى إلا لأنه لو كانت على ظاهرها لكان التقدير فما وجدنا فيها المغاير لبيت المؤمنين أنه فيكون المنفي إذ ذاك بيوت الكفار وهو باطل لأنه وجد فيها بيوتهم فتقرر أنه استثناء مفرغ فيحتاج إلى تقدير شيء عام منفي يكون هو المسنثنى منه ولا بد من تقيد ذلك العام بكونه من المؤمنين وإلا يلزم انتفاء ثبوت الكفار وقد عرفت بطلانه فيكون تقدير الآية والله أعلم فما وجدنا فيها أحدا من المؤمنين إلا أهل بيت من المسلمين أي منهم ويكون قد أوقع الظاهر موقع المضمر وإنما قلنا الدين إن الإسلام هو الدين لقوله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ} وإنما قلنا الدين فعل الواجبات لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} أي دين الملة المستقيمة وقوله ذلك عائد إلى جميع ما تقدم ذكره فوجب أن يكون الكل مسمى بالدين.
قوله قلنا في الشرع إلى آخره هذا هو الجواب عن هذا الوجه الثاني وتقريره أن يقال لا نسلم أن الإيمان في الشرع هو الإسلام وإنما الإيمان في الشرع عبارة عن تصديق خاص وهو تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع ما علم مجيئه بالضرورة وهو بهذا الاعتبار غير الإسلام وغير الدين فإنهما في اللغة الانقياد