حتى ليبدو للعاقل -والسياق يواجه بهذه الآيات جماعة المشركين- أن الشرك غريب على الفطرة، غريب على فطرة الوجود وغريب على فطرة الإنسان, فينطق القلب السليم, ويشهد الحس الواعي وتنشد العواطف الكريمة إلى تلك الحقيقة:{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} ١.
ومع هذا فقد قدم القرآن الكريم عرض الدعوة في أسلوب عبقري التسلسل في مجموعة السور المكية التي سجلت حياة الدعوة الإسلامية في ظلال البيت العتيق.
ففي سورة الأنعام عالج القرآن قضية العقيدة على أنها القضية الكبرى، والقضية الأساسية فهي القاعدة الرئيسية للعبودية الصحيحة لله رب العالمين.
وعالج مع قضية العقيدة قضية الطعام. فالطعام يغذي القلب بالدم والقلب محل الاعتقاد, فإذا ما طهر مما ذبح على الأصنام والأوثان والنصب, فقد خلص القلب لنور الحقيقة, أما إذا تغذى القلب بلحوم النصب والأصنام, فقد قسي وأظلم. وقد سمعت فضيلة مولانا الدكتور عبد الحليم محمود أثناء زيارته للكلية الإسلامية بماليزيا أستاذا زائرا، أن أكل لحم الخنزير مفسد للأخلاق يجعل العرض والشرف أمرا هينا.
ولهذا عالجت سورة الأنعام قضية الطعام لأنه ذا صلة بالاعتقاد صحة وفسادا.
١ من التصرف في ظلال القرآن ج٧ ص٣٠٨-٣١١ راجع حول هذا من حضارة الإسلام ج١ ص١٦-١٧.