ويدخل الشيطان إلى النفوس من هذا المدخل ويفعل بها الأفاعيل، ولكن الناس يخطئون إذ يقيسون الأمور بميزان ظاهري محدد ويغفلون عن قيم كثيرة وحقائق كثيرة في التقدير.
إن الناس يقيسون بفترة قصيرة من الزمن وحيز محدود من المكان. وهذه مقاييس بشرية صغيرة.
فأما المقياس الشامل فيعرض القضية في الرقعة الفسيحة في الزمان والمكان ولا يضع الحدود بين عصر وعصر ولا بين مكان ومكان, ولو نظرنا إلى قضية الإيمان في هذا المجال لرأيناها تنتصر من غير شك وانتصارها مرتبط بانتصار أصحابها إذ ليس لأصحاب هذه القضية وجود ذاتي خارج وجودها وأول ما يطلبه منهم الإيمان أن يفنوا فيه ويختفوا هم ويبرز هو.
والناس كذلك يقصرون معنى النصر على صورة معينه معهودة قريبة الرؤية والمنال لأعينهم، ولكن النصر له صور شتى، وقد يلتبس بعضها بصورة الهزيمة عند النظرة القصيرة أو السطحية.
فسيدنا إبراهيم -عليه السلام- وهو يلقى في النار هو من غير شك في منطق الإيمان أنه كان على قمة النصر عندما ألقاه الكفار في النار كما أنه انتصر مرة أخرى عند ما قيل للنار: كوني بردا وسلاما على إبراهيم.
هذه صورة والأولى صورة وهما في الظاهر بعيد من بعيد أما في الحقيقة فهما قريب من قريب وكلاهما نصر من عند الله.