للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه القيم فاعترضوا بقولهم: {لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} وذلك تخبط في القيم والموازين, فاختيار الأنبياء واصطفاؤهم فضل يؤتيه الله عز وجل لمن شاء من عباده {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} , وقد شاء الله جل شأنه أن لا يجعل لهذه الرسالة الأخيرة سندا من خارج طبيعتها ولا قوة من خارج حقيقتها, فاختار لها رجلا ميزته الكبرى الخلق، وهو من طبيعة هذه الدعوة، وسمته البارزة التجرد، وهو من حقيقة هذه الدعوة.

لم يختره ولم يجعله زعيما لقبيلة ولا رئيسا لعشيرة ولا صاحب جاه أو ثراء، حتى لا تلتبس قيمة من قيم هذه الأرض بقيم الدعوة الربانية النازلة من السماء، ولكي لا تزدان هذه الدعوة بحلية من حلى هذه الأرض لا تتفق مع حقيقتها في شيء, ولكي لا يكون هناك مؤثر مصاحب لها خارج عن ذاتها المجردة، ولكي لا يدخلها طامع ولا يتنزه عنها متعفف.

ولكن القوم كانت قد غلبت عليهم مقاييس الأرض, وضلوا في شعاب هذه المقاييس, فلم يدركوا الدعوة, فخلطوا في القيم والموازين: قيم الأرض وموازينها وقيم الدعوة وموازينها, وظنوا أن الوحي ينزل على هواهم فاقترحوا أحد رجلين للرسالة: الوليد بن المغيرة عم أبي جهل أو عروة بن مسعود الثقفي١، فرد الله عليهم موازينهم.

{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} ؟


١ الحلبية ج١ ص٣٤٧.

<<  <   >  >>